الخميس، 14 أغسطس 2014

أين الله ؟

اين الله ؟

أستيقظت فى مكان مألوف بالنسبة لى ، وجدتنى واقفاً على أرضً صلبة والطريق امامى يملأه التراب الأصفر على جانبيه ولا يوجد به احد سواى، بدأت فى المشئ بخطوات مضطربة أبحث عن اى علامة تُرشدنى فتقضى على تساؤلاتى .. أين انا من بين بلاد الله واين الناس ؟ أين ذلك الصخب الذى لا يفارق الشوارع ليل نهار .. أيعقل ان يختفى الناس هكذا فى آن واحد ؟!

صوت خطواتى المضطربة تلوث الهدوء الذى يسيطر على الجو .. حرارة الشمس تشتد وانا أبحث عن مكان يأوينى وأشعر فيه بالراحة والأمان والماء ولكنى لم أجد سوى صحراء قاحلة على جانبى الطريق، وأثناء سيرى بدأت انتبه لصوت أخر .. مشابه لصوت خطواتى .. لعله صدى صوت ؟ لكنه بدأ يقترب نحوى أكثر فأكثر وانا انصت وأتمنى ان اجد صاحب تلك الخطوات فأجد لى انيس فى وحدتى لعلنا نجد ضالتنا سوياً .. ولكن بمجرد ان رأيت صاحب الصوت علمت انه لا يتوجب على الأنتظار بل .. الركض !

ثلاث رجال يتميزون بالضخامة متشحين بالسواد .. يركضون نحوى وكأنهم يريدون الثأر منى ؟ لا يحملوا اسلحة .. فأجسادهم وضخامتهم هى اسلحتهم .. لم أستطع تخيل نفسى فى قبضتهم فحينها سأصبح هالك لا محاله ! لذلك توجب على الركض حتى أجد مكان أمن لا يستطيعون الوصول لى فيه !

قطرات الماء تنصب من جبهتى ، انظر خلفى كل دقيقة ولكنهم لا يختفوا او يبتعدوا عنى .. أشعر بأن نَفَسى قد انتهى وانى سوف أنتهى معه فلا يوجد مكان سوى قسوة الصحراء الضارية إلى ان وجدت من بعيد هيكل منزل –أو هكذا أظن- .. تمنيت من كل قلبى الا تكون هلاوس الصحراء والسراب الذى يطارد المنكوب والتائه ولكنه لم يكن سراب .. ولكن يكن منزل هو الأخر .. بل كان مسجد ! مسجد يتميز بالفخامة والعراقة .. وجدت امام الباب شيخ يلبس العمة والقفطان .. ذهبت اليه مستنجداً به من اعدائى الذى يسعون ورائى فعندما وجدنى مقبل عليه قال "ماذا بك يا بنى ؟ أهناك ما يتعبك ؟"

أجبت مستنكراً "الا ترى أنى مطارد؟"

رد بصوت مضطرب "ما الذى يمكننى ان افعله لك ؟"

قلت له بلهفة "أنقذنى منهم !"

"حسناً" قالها وقام بفتح باب المسجد ودخلنا معاً ثم أغلق الباب ورائنا

-يتوجب عليك الوضوء والصلاة لأنك فى بيت الله

قلت بتلقائية "ولكنى لم آتى من أجل الله !"

قال متعجباً "ما هذا الكلام .. فى ماذا كنت تفكر قبل الدخول الى هنا ؟"

-الهروب !

قال بعصبية "الهروب ؟ من مَن ؟

-الم ترى من يطاردونى ؟ الا تتخيل ما سوف يحدث لى اذا وجدت نفسى فى قبضتهم ؟ انا لم أدخل هذا المسجد سوى من أجل الهروب منهم ، أملاً ان يحصننى المسجد منهم فيمّلوا ويتركونى فى هذا المكان بهدوء !"

رد على بعصبية مكتومة فى نفسه "أسمع يا بنى .. إن الله يحمى كل من يدخل بيته ولكن إذا كان دافعهم لدخوله هو الله نفسه ليس مجرد اسباب دنيوية .. إن الحماية التى انت محاط بها هنا .. ليست موجودة إلا بسببى .. إن بيت الله لا يحمى المنافقين ! سوف تخرج الأن من باب اخر لهذا المسجد ولكن لا تتوقع ان ينقذك الله منهم فأنت لست مؤمن بما فيه الكفاية ليصرفهم الله عنك !"

-من أنت لتقل على منافق ؟ وما هى سلطتك لتطردنى من بيت الله ؟

-ما اقول هو انى لا يمكننى حمايتك يا بنى ! الله يحب ان يتم الإيمان به خارج حدود المسجد .. الله هو منقذك ليس المسجد !

فكرت للحظة فى هذا الكلام ولكنى لم اعقله .. وفى تلك الاثناء أخرجنى الشيخ من المسجد من خلال باب اخر .. وعدت مرة أخرى الى حرارة الشمس الحارقة والطريق الممتلأ بالرمال وكنت اسرع فى خطواتى لأن كلها لحظات او دقائق ويرانى هؤلاء الرجال مرة اخرى ونستأنف المطاردة ! وبالفعل حدث ما كنت اتوقع وبدأت فى الركض مرة اخرى وهذه المرة احاول الاستنجاد بالله ولكنى لا أجده !

وبعد فترة ليست بقصيرة من الركض نحو اللا نهاية وجدت رجل عجوز يجلس بجانب غرفة من الطوب الاحمر .. 
لاحظ توترى وركضى فندانى وقال لى "تعال .. اسرع الى هنا" وفتح باب الغرفة الخشبى ودخلنا سوياً

"شكراً لك لحمايتى يا رجل .. ولكن أتظن ان هذا المنزل سوف يصمد امام هؤلاء الرجال ؟"

قال وهو يحاول ان يخفف من حدة الموقف "اهدأ .. لن يتمكن احد من ان يصيبك بمكروه هنا"

-ولكن كيف ؟ لم يمنعهم المسجد سوى دقائق والأن تقول ان هذه الغرفة سوف تصمد ؟"

قال بهدوء "إن هذه الغرفة سوف تصمد بالتأكيد .. لقد صمدت طوال فترة حياتى كلها"

قلت بإستغراب "وكيف هذا ؟"

قال "إن الله يحميها"

-الله يحميها ؟ اهذا الغرفة بيت من بيوته ؟

-أمَن الضرورة ان يحمى الله بيوته فقط ؟

-وبالتأكيد .. لانى لم اجد ملاذ من هؤلاء سوى فى بيت الله ولكن بمجرد خروجى وجدتنى بمفردى .. لم أجد الله وحمايته !

-إن الله فى كل مكان يا بنى

-ولكن إذا كان الله فى كل مكان .. لماذا لم اجده خارج المسجد ؟ .. لماذا لم يحيطنى بالحماية اللازمة ضد هؤلاء المتشحين بالسواد ويريدون هلاكى ؟

-من المؤسف ان اجد شباب مثلك لا يروّن من الدين سوى القشرة الخارجية فقط !

-أوضح كلامك يا رجل

سأل متعجباً "هل كنت تظن ان الله فى الهواء والماء ؟ اهذا تعريف كل مكان لك ؟ والله لانت هالك يا فتى !"

-من انت لتنصب نفسك قاض وتقول انى هالك .. لقد تقبلت الامر قليلاً من الشيخ لانه مساعد الله فى الارض ولكن من انت !

-إن الله لا يحتاج مساعدين له فى الارض .. كل ما فى الامر انى املك الله فى داخلى !

قلت بعصبية "استغفر ربك يا رجل .. ما هذا الكلام !"

-اعذرنى لفظاظتى ولكن ما احاول ان اقوله هو ان الله بالفعل فى كل مكان ولكن لكى تطبق هذا الكلام لابد ان يكون الله بداخلك اولاً .. فيصبح معك فى كل مكان !"

-كلامك ليس بسيئ

استكمل قائلاً "فى المسجد انت لم تفكر سوى بالهروب .. وبالتأكيد المسجد وفر لك ذلك ولكن لان الله بداخله .. بمجرد خروجك فأنت وحدك .. لذلك قاموا بمطاردتك مرة اخرى .. لأن الله ليس بداخلك .. لا تبحث عن الله فى هذا الطريق الوعر .. ابدأ بداخلك وحين تجده .. سوف تنتهى كل هذه المطاردات !

-أتقول لى هذا الكلام الأن ! اتتوقع منى ان انفذ هذا الكلام واتغير فى لحظة وبعد ما امتلأ رأسى بالشعر الشايب ؟ اتظن انه من السهل ان اخرج من هذا المنزل وانا بداخلى الله وقد فقدته لاكثر من عشرون عام ؟

-صعب هو الامر .. لكنه ليس بمستحيل .. كل ما يتطلب ذرة إيمان !

-وعلى ان اجدها الأن ؟!

قال محذراً "هذا المنزل لم يبنى ليكن مأوى لك .. كل ما يمكننى ان اوفره لك هو باب اخر للهروب !"

ذهب وفتح لى باب خلفى لهذه الغرفة وقال لى "اذهب"

خرجت وانا افكر وافكر .. لا اعلم كيف من الممكن ان اجد الله بداخلى خصوصاً وانا ليس امامى متسع من الوقت ! ليس امامى سوى الركض نحو بر امان اخر حتى لاحظونى واستكموا مطاردتهم لى .. وفى لحظة قررت الوقوف .. لا يمكننى الهرب طوال الوقت .. هى إذاً اللحظة الحاسمة .. المواجهة .. إما ان اجد الله بداخلى او اجد نفسى فى قبضتهم !

" وَتَحْسَبُ أنَّكَ جُرْمٌ صَغِيرٌ ،، وفيك إنطَوَى العالمُ الأكبرَ" الإمام على كرم الله وجهه
مصطفى الشابي