الجمعة، 26 يونيو 2015

"تنميل" منتصف الليل

تنميل منتصف الليل

مساء الخير ..

فى طريق السفر الطويل جلست اتأمل فى الطريق والجبال من نافذة السيارة، لم أشعر بأى شئ سوى زجاج النافذة البارد على خدى الذى بدأ ان ينتابه تلك الـ"تنميلة"، اعتدل فى جلستى بإمالة رأسى الى الوراء ثم اتنفس القليل من الهواء بصعوبة .. تمنيت ان انام بضع ساعات قليلة حتى الفجر لأتنفس هواءه العليل ولكن انتهى بى الامر بالأستماع الى صوت ام كلثوم حتى وصلت الى كوبليه "وهلّ الفجر بعد الهجر بنوره الوردى بيصبح"، استنشقت هواء الفجر بهدوء حتى امتلأ صدرى وشعرت براحة نفسية عن ذي قبل ثم التقطت كشكول قديم كان بالسيارة وقلم رصاص لاختى وبدأت بالتدوين.

نسيم الفجر له رائحة مميزة، عطر الأمل وراحة البال .. لم أشعر فى يوم بالخوف فى توقيت الفجر بالعكس دائماً ما كنت أشعر بالخوف من مشهد الغروب وسيطرة الظلام الأسود على هذه البقعة من الأرض، وما يفعله القمر فى بعض الأيام من تأثير لم يقلل من هول رعبى شيئاً بل زاده وهنا نستشف لماذا لن أقول لحبى الوحيد الذى سوف اجده فى يوم من الايام "انتِ زى القمر" ببساطة لانه يصيبنى بالاكتئاب والحزن .. من الممكن ان اقول لها انها تشبه نسيم الفجر البارد الذى يجدد بداخلنا الأمل بأن يوماً أفضل سوف يأتى ويجدد الهواء الراكد برئتينا لنبقى أصحاء ما شاء لنا القدر والدهر.

"نفسى فى كوباية شاى" قلت نفسى وانا افكر فى ما سوف اكتبه فى السطور القليلة الباقية فى الكشكول .. تمنيت ان يكون امامى كوب دافئ من الشاي المظبوط حتى يتم تعمير الطاسة واشعر بأنى لست وحيد فى هذا الطريق الطويل .. فكانت –فى لحظتها- كوب الشاي هو عزائى ورفيقى الوحيد .. لم أشعر بوجود السائق .. كان وجوده باهت للغاية فى هذه الرحلة .. كأن المركبة تسير وحدها ! تذكرت هنا قول صديق لى عندما نسأله "انت رايح فين بالعربية ؟" يقول لنا بهدوء وعدم إكتراث "هى عارفة طريقها !" .. لازالت الـ"تنميلة" موجودة بخدى الايمن .. ولكنها سوف تنتهى الأن .. بمجرد ان يلمسها بعض من هواء الفجر النقى الهادئ .. تخليت عن فكرة وجود كوباية شاى فى هذه الظروف وعدت الى كشكولى الصغير !

الأمان ؟ نعم الأمان ! .. الأمان هو الحب .. وهو ما لا أشعر به الان ! .. الطريق مظلم للغاية والحب يجب ان يكون فى النور وللنور .. الأمان هو تلك الترنيمة الهادئة التى يدندنها عقلك وقلبك عند شعورك بالخوف، ترنيمتى هى "..."، انا ليس لدى ترنيمة، مع كل تلك الأغانى التى اسمعها لا يوجد أغنية واحدة تشعرنى بالأمان ؟ ياله من عار ..دعونى اتذكر .. نعم !، ما يشعرنى بالأمان هو يد أمى وهى تربت على ظهرى وتقول لى "كل شئ سوف يكون على ما يرام"، اظن ان هذه هى ترنيمتى !

إلى اين انا ذاهب فى هذا الطريق اللعين ؟ انه لا ينتهى ! وما اراه على جانبى الطريق لا يوحى بأن هناك نهاية جيدة لهذا الطريق، مجرد ظلام ..  لماذا اخاف الظلام ؟ الظلام يوحى بالضياع والوحدة وانا امقت تلك الصفتين .. والمشكلة الكبرى ان هذه الرحلة الغريبة التى قد تم اقحامى فيها بدون اخذ رأيى ولو اعتباطياً لم تتكون سوى من تلك العاملين .. فرغم من ان هناك من يشاركنى الرحلة الا انى لا اعرف من هو ولا إلى اين هو ذاهب فى ظلام الليل .. يجب ان احتفظ بهدوئى .. "كل شئ سوف يكون على ما يرام" بمجرد ان تختفى الـ"تنميلة".

ذكرت الحب فى السطرين الفائتين .. نعم الحب هو شئ لا يوصف فهو معقد للغاية .. يشبه سحر القصص الخيالية وايضاً ممكن ان يتحول لتعويذة شريرة من تعاويذ الأسطاير الخرافية ! ولكن لا الومه هو على شئ، فالحب ليس سيئ .. نحن كذلك ! ولكن إذا قمت بوصف دقيق مبسط للشخص الذى يقع فى الحب فهو يصبح تماماً مثل خدى الأيمن .. "منمل"، لا يشعر بأى شئ إلا فى النهاية إما بقبلة رقيقة على شفايفه او عصاة غليظة على رأسه !

"لا أريد ان انهى الكتابة" قلت لنفسى وانا اريح يدى قليلاً ..  فأنا مستمتع للغاية، أشعر كأن كتابتى أصحبت مثل الطريق .. لن تنتهى ابداً، كم أتمنى ان يقرأ الكثير ما أكتبه من خواطر ولكن اعود واسأل نفسى "ماذا سوف يعود على بالنفع من قرائتكم هذه ؟" لن يضيف الامر لى شئ سوف ان ارضي غرورى، أسف لأعترافى هذا ولكنها الحقيقة .. هل لهذا أصبح شخص سيئ ؟ ام انا أثبت لنفسى انى محب للأضواء والشهرة إلخ ..، ولكن كلنا لدينا مثل هذه الاشياء فى شخصيتنا ولا يمكن أن نحاسب عليها حساب العقلاء !، على الأقل انا أعترفت، يوجد غيرى من ينطبق عليه "كذب الكذبة وصدقها".

عُدت الى الكشكول مرة اخرى وأستكلمت خواطر الطريق الطويل، عودة الى الحديث عن الفجر .. إنى بدأت بسماع صوت الطيور وهى تغرد تغاريد الصباح، من الأشياء التى لطالما رغبت بها وانا طفل و وانا بالغ هى أن أملك القدرة على التحليق، الحرية هى أن تفعل ما تريده وتشعر به .. أريد ان أهرب من روتين النظام ولو ليوم ! وأحلق فى السماء الواسعة لأجد نفسى جالس أمام برج إيفيل ومعى فتاة جميلة تأخذ معى قهوة الصباح .. انا لا أطلب الكثير فى الحقيقة، ولكنى اطلب المستحيل ! ولكن هذه هى الأحلام أليس كذلك ؟!

لا أكاد أشعر بخدى تماماً .. ولكننا على مشارف الإنتهاء من الرحلة فأنا ارى ضوء من زجاج السيارة الأمامى قادم نحونا .. ولكنى لا أستدل اى شيئاً عنه ! إما هو نهاية الطريق ووجهتنا التى المفترض ان نصل اليها، او سيارة قادمة امامنا .. فى كلا الحالتين سوف تنتهى الرحلة ! إما بطريقة سعيدة أو بطريقة تراجيدية مأسوية.

أغلقت الكشكول ووضعته بجانبى ومعه القلم الرصاص وجلست للإسترخاء قليلاً وإذا بالضوء يشتد وتعلو الأصوات وانا لا أعلم اى شئ ولا حول لى ولا قوة سوى ان أغلق عينى بقوة واقول لنفسى "كل شئ سيصبح على ما يرام" ولكنى أدركت أن لا يوجد فائدة من الهرب وفتحت عينى بحذر شديد لأكتشف ان الرحلة قد إنتهت واذا بى جالس على سريرى ولا أشعر بأى شئ سوى بألم شديد صادر من خدى الأيمن، لقد كان حُلم كالعادة ! حُلم عن هذا الطريق الذى سلكناه جميعاً ولكن لكل منا وجهته الذى يتمنى أن يصل إليها بدون أن يصتدم بعربات اخرى قادمة عكس الإتجاه .. وإذا كنت قد تعلمت شي من هذا الحلم فهو الا انام على خدى مرة اخرى حتى لا أصاب بـ"تنميل منتصف الليل".


مصطفى الشابى

الاثنين، 8 يونيو 2015

هواجس شارع محمد على

هواجس شارع محمد على

مساء الخير ..

تنتابنى فى كل مرة أتناول فيها قلمى واعقد النية على الكتابة رهبة عدم إيجاد ما أكتبه .. مجرد هاجس يهمس بإذنى "ما انت كتبت عن كل حاجة ممكن يتكتب عليها" ويجب أن اتفق معه فى الرأي فانا بالفعل قد قمت بالكتابة عن اشياء عديدة .. اكثرها كان الحب وأهيمته للإنسان وعن بحثى الدائم والمستمر الذى لم ولن ينتهى عن الحبيب المجهول والذى اتقمس فيه دور حسين صدقى بإنتظار حبيبته ليلى مراد .. التى كما قلت لن تظهر ابداً .. ولكن لدى القليل من الأمل ! ، هذه المرة احاول ان أكتب لكم عن هذا الهاجس الذى يصنف الأن بأنه "عدوى الغتت" .. ولكن مع الوقت والتفكير أكتشفت شئ واحد بسيط للغاية .. انه ليست مجرد هاجس !

طريق العظمة والمجد هو طريق ملئ بالضباب والمطر مما يجعل الرؤية متعسرة للغاية وبالمضى اماماً فيه تجد على اطرافه احلاماً محطمة لمن هم مثلك ولكن قُدر لأحلامهم ان تنتهى فى هذه البقعة من الطريق .. ولكن ما يجعل الامر يستحق المحاولة هو ما يوجد بنهاية هذا الطريق وهو : فتاة جميلة مُكللة رأسها بتاج من الورود تستقبلك بإبتسامة رقيقة وتقول لك "أتأخرت ليه يا سعت البية ؟" ثم تُرفع الستارة وها انت .. بمكانك الذى رسمته لنفسك .. وهذا هو أعزائى الهاجس .. الهاجس الذى تحول من كونه هاجس إلى خوف !

أصبحت حياتى عُبارة عن أيام لا افعل بها شئ سوى ان افكر فى مستقبلى الذى يحول بينى وبينه عوائق المجتمع، المظهر العام والتفكير فى المستقبل ذات نفسه ! وشعورى ان على اتخاذ خطوة جادة تحدد مصير ذلك المستقبل المشوش  ولكن يمنعنى شئ .. أفضل ما يتم وصف هذا "الشئ" بكسل ناتج من تفكير زائد .. وهنا أتخيل نفس الطريق ووالدتى فى هذه المرة واقفة بينهايته وتنادى بإسمى وتقول "مصطفى لو المجد والعظمة والشهرة بردّوا مش حسخنهملك !" مما يحتم على سُرعة قيامى وهز ما يهتز بجسدى والمضى فى الطريق !، اما الايام الاخرى فأجلس افكر فى تفكيرى الذى كنت افكر فيه من بعضه ايام وهو بالطبع شئ محبط لانك لم تصل لاى شئ فى المرة الاولى .. فبالطبع لن تصل لأى شئ فى المرة الثانية ! ، وهناك ايام احاول التفكير فيها بأى شئ ولكن كل ما اشعر به هو "لا شئ" مجرد شعور بالخواء والفراغ .. وهنا يبدأ الهاجس بالتحول الى خوف .. بُعبُع كبير !

الخوف عندى هو شئ مختلف، لم اخشى فى يوم الظلام .. ولكنى خشيت مما يقبع فى الظلام .. فالظلام معروف ولكن ما يوجد بداخله هو ما قد يثير القلق ! ، عندما يشتد علّى الخوف من المصير الذى ينتظرنى فى ظلام الطريق .. من شعورى بالخواء وما قد ينتج عنه من إنسان فارغ مثل باقى الناس، لا يفكر سوى عن طريق ليأمن له ولاولاده لقمة عيش .. من خوفى من حياة قد تنتج بسبب خوفى وتفكيرى الزائد .. يتحول كل ذلك إلى خوف طفل صغير .. يبكى خوفاً من شعوره انهم سيأخذون مصدر سعادته الوحيد واقول لنفسى فى حوار فلسفى "خايف لا يوم مصحاش الصبح واسمع صوت دين مارتن" ! قُلت لنفسى وانا امسح دِمعة وصلت لذقنى "خايف لا يوم اما افشل انسى كل الحاجات اللى فى يوم حبيتها وعملت منى الإنسان اللى بقيت عليه !"، مراحل كثيرة من الخوف تجعل من نفسى تجاه انظُرى شخص غير جدير بأى شئ سوى الجلوس على كرسيه الخشبى ومتابعه اخبار النجوم على احد المواقع الصفراء .. هذا النوع من الخوف هو "عدوى الغتت" الذى اتمنى ان يموت او يذهب ببعثة إلى افغنستان بلا رجعة.

المشكلة الكبرى فى مخاوفى انها اخذت اكثر مما تستحق من تفكير حتى تحولت من مجرد هاجس من هواجس شارع محمد على إلى شئ اقرب من الحقيقة منتظرة التحقق ! الموضوع اكبر بكثير من مجرد هاجس عدم القدرة على الكتابة او عدم المقدرة على اتخاذ قرار بخصوص شئ معين او حتى عدم المقدرة على اختيار ملابسك فى الصباح خوفاً عليها من ما قد يحدث لها فى الشارع، اصبح الامر خوف على نفسك من مخاوفك وما سوف يصدر عنها من نتائج. ولكن هذا ما يحدث عندما تعطى الاشياء اكبر من حجمها .. هذا هو ما يحدث عندما تنظر لظل الذبابة وتتخيل انها تنين يقبع لك فى الظلام ! ، لكن فى النهاية تبقى الذبابة ذبابة والظل يختفى مع اول شعاع نور ينساب الى الغُرفة !

عملياً لا يوجد حل لمثل هذه المشاكل .. فالخوف هو طبيعة فى البنى آدم لكن لا تعطيه اكبر من حجمه، لذلك هنا اقتبس قول صديق لى "سيب المركب تمشى" وحاول تحقيق حلمك والمضى فى الطريق .. ولكن عندما تفشل وسوف تفشل مرات عديدة .. تأكد فقط إنك لن تترك أحلامك ملقاه على الطريق لتلقى حتفاها المميت .. ونصيحة أخوية : لا تنتظر كثيراً للبدء فى المشوار .. لان المشوار طويل ولو الشهرة والمجد بردّوا ماما مش حتسخنهملك !


مصطفى الشابي