الأحد، 6 سبتمبر 2015

تشخيص شخصية

تشخيص شخصية

مساء الخير

يلعب فى مخ كاتب من كتاب القصص المأسوية والبوليسية -والكوميدية فى بعض الاحيان- الأن موسيقى ملحمية من مسلسلات الثمنينات المصرية وهو يناقش ويناقض نفسه فى أطروحة ليست بجديدة عليه وهى قصته الجديدة .. لم يهتم كاتبنا هذا لا بالحبكة ولا بالقصة ذات نفسها .. لم يهتم سوى بشئ واحد ! البطل وشخصيته .. وكانت أزمته التى أخرت ظهور قصته التى لم تكتب بعد الى النور هى "كيف له أن يكتب قصة لها بطل والبطل له شخصية والكاتب ذات نفسه مؤلف وخالق هذا العالم ليس لديه شخصية ؟ أو هكذا يظن !

إن أفتراضنا للحظة ان الكاتب هو انا –وهو ليس بحقيقى-، كيف سأرى نفسى ؟

سؤال مُحير للغاية .. ولكن من منا لم يحتار فى الإجابة عن هذا السؤال، فمن الممكن أن ارى نفسى فنان مرهف الحس لأبعد الحدود، او إنسان شقى وصاحب نكتة، شخص جاد للغاية -من البيت للكبارية ومن الكبارية للبيت- ، شخص معقد للغاية ولا يرى ان هناك من يضاهى مواهبه الفنية والحياتية ! ولكن فى الحقيقة أنا لا ارى نفسى فى هذه الشخصيات أو غيرها ! انا بكل تواضع شخصية بلا شخصية ! كهذا أرى نفسى بكل تواضع ! ولكن هل هكذا يرى الكاتب نفسه ؟

تستمر الموسيقى الملحمية بكل شِدة وعنف ليستمر هذا السؤال بالتكرار وكأنه صدى صوت إنسان رخم ! وكأن عقل الكاتب يرفض تلك الإجابة .. كيف له أن يتأكد ؟! إذا ذهب بالسؤال فلن يجد سوا اهله ليسألهم ولن يقتنع بإجابتهم مهما كانت لإنهم ببساطة أهله ! ولا يمكنه الذهاب لأصدقائه، لان ليس كل الاصحاب أصدقاء ولن تسلم -فى حالة كاتب القصة- من ألسنتهم ومن الـ"هزار" المُحبط ! وهنا نأتى لسؤال اخر هل يتقرب كاتبنا من الاصحاب الذين يشعرونه بالقوة والشخصية الفريدة من نوعها، ام يظل فى حالته تلك من التخبط والحيرة وعدم الأستقرار؟! ففى يوم يظن انه المتحكم فى كل شئ وفى يوم وكأنه هوا !

لمعت عينان الكاتب وهو يتناول فنجان الشاى الموضوع امامه منذ نصف ساعة وهو يفكر فى ان يكلم حبيبته الذى ظن فى بعض الأيام انه يحبها ليسألها عن الأيام الخوالى لعلها تفيده وتجيبه بالحق، ولكنه تراجع عن هذه الفكرة .. ليس خوفاً من رأيها فيه ولكن مهابة من ان يدق القلب معلناً عودة الحب بجسده من جديد !

يقول الكاتب "لقد فعلت كل شئ .. كنت المؤدب وكنت الصايع .. كنت الحبيب وكنت الخجول .. كنت الفنان وكنت الجاهل .. كنت البرئ الساذج وكنت الفتك واللى بيجبها وهى طايرة، لم أجد نفسى ولم يجدنى من حولى .. أشعر دائماً بنفور مِن مَن حولى ومن نفسى ايضاً ! أجيبها كده اجيبها كده هى كده !"

عاد الكاتب لوضعه من جديد وبدأ بالإستماع لدقات العود على مقام حُجاز لعله يواسى قلبه الذى جٌرح من "بنات أفكاره" منذ قليل ليتأمل فى بعض أسئلة الكون لعله يجد ضالته ! .. هل الحياة صعبة وحزينة ؟ هل تدفعنا دائماً لأن نكره انفسنا ؟ هل الإنسان وحيد فى هذه الحياة .. فمع كل هؤلاء المعارف لا يجد من يثق فيه مطلق الثقة ! ما فائدة الحياة إذا لم نستطع أن نحيا فيها بشخصيتنا ؟! وما هى الحياة ؟ هل هى سلسلة من الافعال التى نقوم بها لنظل أصحاء ؟ ام ورائها هدف تناساه البشر مع تعاقب الاجيال ؟ هل كلنا احياء ونستحق الحياة ؟ ام منا  من مات وهو على قيد الحياة ؟

تكاد ان تنفجر رأس الكاتب .. يشعر بضغط الدم بعروق رأسه يتزايد .. لا يريد الان إجابة اى سؤال .. كل ما يريده هو ان يسمع كلمة "كل شئ سيصبح على ما يرام" ويد تربت على ظهره.

"كل شئ سيصبح على ما يرام" ، اقولها للكاتب واطمئنه –او اصبره-  فمن وجهة نظرى البسيطة والبريئة عن الحياة هى الحياة جميلة للغاية .. أشبه بلحن لمحمد فوزى .. فمع حُزنها تظل جميلة وبها شئ من السعادة ..  إستمتع بها يا صديق .. لا تُشغل نفسك بكل هذه الأسئلة الحزينة والمكتشفة للذات .. فأنا لم احب يوماً الأسئلة النفسية تلك .. ليس لكرهى لنفسى ولكن لإنى اعلم ان الإجابة لن ترضينى ابداً .. فكلنا نرغب ان نكون أفضل من خلقوا على هذه الأرض وهذا ليس عيب .. ولكن حظنا ان الكمال ليس له مكان على وجه الأرض ! ولن تسعد بالتأمل فى امور الكون والحياة . لان لكل امر لا يعجبك حكمه لن تتوصل لها بعقلك ابداً، لذلك عِش كما أنت لنفسك وليس لاحد .. هنا فقط سوف تستطيع ان تجد لقصتك ملامح وهنا فقط قد نقول أنك وجدت البطل !


مصطفى الشابي