الخميس، 15 يونيو 2017

تلغراف مسوجر

تلغراف مسوجر

عزيزى .. تحية طيبة وبعد،

أكتب إليك هذا التلغراف وقد لا يصلك .. بل أنى على يقين انه لن يصل، ولكنى قررت كتابته على أى حال.

"اليوم قد مات أقدم من عاش بهذا الحى" .. هكذا قالوا اليوم يا عزيزى، وجلست انا بين ذكرياتى وبين الباكيون..أخفف انا عنهم وتخفف الذكريات عنى، فلم أتذكر من الفترة الاخيرة سوى كل ما هو جيد وسعيد .. وتلاشت من ذاكرتى اللحظات الحزينة .. فوجدتنى أجلس بإبتسامة حزينة وسط الجموع، لم اذرف دمعة –حتى الأن- لأنى على يقين انك بمكان أفضل .. لكننا نحزن على الفُراق .. نحزن على تلك الأيام الطيبة الجميلة البريئة التى لا تعوض .. نحزن على فقداننا شخص نعلم انه يحبنا ويتمنى لنا الخير .. نحزن على انفسنا اننا نعيش الأيام القادمة بدونك .. فلم يعد هناك اى شئ يخفف عنا هذا الرحيل سوى الذكريات !

سأحتفظ بكل شئ .. بأحديثنا الشيقة والنصائح التى كنت تقولها إلى وبالصور والقصص التى كنت تقصها لى .. وكم أخشى الأن ان تخوننى ذاكرتى فى المستقبل وتصبح كل تلك الذكريات مشوشة غير مستقرة .. مستعدة لما قد تفعله فيها ألاعيب الزمان .. ولكنى سأذكر نفسى بهذه الأشياء كل يوم .. ولن أنساك، ولن تنسانى الذكريات .. فلم يتبقى لى غيرها !

أخشى ان أطيل عليك .. فأعلم انك منشغل الان بإستكشاف منزلك الجديد وأتمنى ان يكون كما أردت وكما وُعدت به.

كما قلت يا عزيزى .. أعلم ان هذا التلغراف لن يصلك .. لذلك سأحتفظ به عندى حتى موعد لقائنا لأعطيه لك يداً بيد..أستمتع بالجنة وحتى نلتقى مجدداً .. إلى اللقاء.

  
                                                             مصطفى الشابى

الجمعة، 5 مايو 2017

البرنامج الإذاعى

البرنامج الإذاعى

"ادلع يا جميل على وش الماية"

عندما يتسم العالم بالظلام وتظن انك أصبحت وحيداً مُحاط وسط مخاوفك .. تذكر  القول المأثور "بص لنص الكوباية المليان" ، وإن كنت سعيد الحظ من المتفائلين سوف تكون هذه الجملة كمفعول السحر لتتحول حياتك المظلمة الى أخرى سعيدة .. ولكن إن كنت من اصحابنا المتشائمين لا قدر الله فلن ترى نصف الكوب الممتلئ ولكنك سترى كوب كبير من الماء المثلج أمامك ممتلئ عن أخره ..وانت تجلس فى الكوب الفارغ  تنظر اليه بكل تمنى وكلك أمل فى ان تكون فى يوم من الايام من السابحين، المستمتعين، المتنعمين فى الكوب المثلج .. فالمتفائل يرى ويعلم انه لا يوجد سوي كوب واحد نصف ممتلئ ونصف فارغ .. اما المتشائم يرى كوبان .. الفارغ الذى يجلس فيه ويشكوه حياته ومئاسيه بينما ينظر الى الكوب الممتلئ والى الجالسون، المتنعمون، الهائمون، "المتدلعين على وش الماية"  ويتمنى ان يكون فى يوم من المتدلعين على وش الماية مثلهم .. لكن للاسف .. "الكوباية مفيهاش ماية" !

"وعد ومكتوب ويعين الله وعد ومكتوب"

حدثنا التاريخ والأجداد ومن ثم الأباء عن حقيقة علمية مؤكدة وهى ان الرضيع يصبح طفل ومن هناك يصبح شاب ثم رجل يعتمد عليه .. ومرحلة "الرجولة" عُرفت من قِبل المذكورين من قبل انك تصبح مجرد "طور فى ساقية" لعل هذه هى الأحوال المحيطة بنا والذى آل اليه المصير لكل من رغب فى الزواج والأستقرار والأطفال والبامبرز والعيش الهنيء وهو وعد مكتوب على الجبين .. حتى أصبحت أشعر ان البشر الذين يظهرون بالأفلام الأجنبى ليسوا ببشر مثلنا .. بل انها صورة تخيليه عن ما سوف تكون الجنة عليه عندنا نموت ونبعث .. تلك النظرية تطبق بكفاءة فى كل نواحيها .. الطبيعة الخلابة الخضراء، الطعام والشراب الفاخر، راحة البال، الوجة الحسن .. ختى الرجال يصبحوا أوسم .. بالتأكيد هى الجنة ! كل ما أتمناه من الله ان يرزقنا بجنة أفضل من تلك التى نراها .. او حتى مثلها .. احنا طايليين ؟!

"إزاى تكون انت وتكون عيون غيرك"

الإنسان العادى هو من يرى نفسه فى المرآة فلا يرى سوى إنكعاس لصورته امام نفسه كما يراها  .. الإنسان المتميز هو من يرى نفسه فى عيون الناس فيرى نفسه كما يراه الاخرون، على ما أظن اننا أصبحنا ننجرف –بمعنى اصح نجبر- على ان نستمع إلى ما يطلقه الناس من أراء على مواقع التواصل الاجتماعى بدون ان نُفكر فى ما هو مكتوب .. لمجرد إجتناب نقاش ممل قد يتسبب فى ان تخسر صديقك الإفتراضى او ان يُنسب إليك انك "دقة قديمة" .. ومن بعض تلك الأراء انك "أعمل اللى انت عايزة وملكش دعوى بالناس" .. تلك المقولة قد تكون صحيحة .. وقد تكون خاطئة ! الطريق الوحيد فى تقويم نفسك هى من خلال الناس .. وإذا قررت تجنبهم والإستماع لنفسك فقط بحجة "ان الناس ملهاش دعوة" إذاً إنك لا تتيح فرصة لنفسك لكى تكون على صورة افضل مما انت عليه .. أظن ان الحياة بدأت فى الإنحدار فى مستواها الاخلاقى والإنسانى عندما سمحنا للتكنولوجيا بأن تأخذ ذلك الحيز الكبير فى حياتنا .. أظن لكى تبدأ فى ان تصبح الشخصية التى تريدها يجب ان ترى الحياة بعيون كل الناس .. حتى تستطيع ان تراها بعيونك انت !

"أغداً القاك ؟ يا خوف فؤادى من غدٍ"

أم كلثوم كانت خايفه من بكرة .. كلنا بنخاف من بكرة .. السبب ؟ لانه مش معروف .. الإنسان ببساطة بيألف للشئ اللى بيعرفه لذلك دائماً بيُهيئله ان الماضى افضل من الأيام اللى هو عايشها، ده غير صحيح طبعاً لأن الماضى ممكن يكون أبشع بكتير من حياته الحالية بس لأنك مريت بيه وعارف النتيجة اللى حتوصلها فخلاص .. معدتش خايف وشايف ان الحياة اجمل زمان ومشاكلها أبسط لانك عارف حلها دلوقتى .. بس الحاضر والمستقبل حتى لو كانوا تافهيين جداً بس غير معلوم لهم نتيجة نهائية .. فدائماً فى تخوف من المستقبل..  خوف بيغلب اى شئ تانى ! بس ام كلثوم بعديها قالت "أرجوه أقترابا"، افضل طريقة تحارب بيها الخوف مش انك تخاف، هى انك تواجه خوفك .. وبكرة تقول "ولا يوم من أيام زمان".

"وهل الفجر بعد الهجر بلونه الوردى بيصبح"

أفضل وقت افضله شخصياً هو وقت الفجر لعل ذلك التفضيل هو لأنى ولدت وقت الفجر، ولكن يوجد اسباب اكثر من هذا السبب لحبى لوقت الفجر .. أظن ان هو الوقت الوحيد فى اليوم الذى تستطيع ان تشعر بهدوء وراحة نفسية وان تشاهد النجوم المتلألأة فى السماء وانت تستنشق ذلك النسيم البارد الهادئ .. لا احد يمشى فى الشوارع سوى من يريدون التقرب من الله .. ولا أحد يستيقظ فى ذلك الوقت إلا من زهد النوم  وأراد ان يستمتع بجمال الجو العام .. ومشاهدة السماء وهى تغير لونها بالتدريج وانت جالس فى البلكونة فى صمت لتسترجع كوبلية ام كلثوم .. وتتيقن ان الحياة التى تجدها صعبة ومتعبة .. يوجد بها الكثير من الأشياء الجميلة التى تعطيك أمل فى الغد  ولكننا للأسف لا نلاحظ وجودها عشان بنبقى "نايميين"

مصطفى الشابى

الخميس، 16 فبراير 2017

خلى بالك من التورماى

خلى بالك من التورماى

لا أجد شئ غريب فى تذكر الماضى سوى انه مضى !

اكاد أجزم انى كنت بالخامسة من عمرى ولم يمُر يوماً واحد حتى وجدت نفسى بالثانية والعشرون ..ومع مرور كل تلك الاعوام تكونت بالطبع الكثير من الذكريات منها السئ ومنها الجميل ولكن يوجد ذاكرة واحدة تحولت تماماً من "أكثر ذكرى مبهجة" إلى "أكثر واقع مرعب" .. قبل ان ابدأ بسرد قصتى .. يوجد فقط القليل من الدردشة.

 كانت دائماً –ولاتزال- ترتبط معى الذكريات بروائح .. رائحة عطر، كتاب قديم، برفان معتق حريمى، دخان سجائر خاص، ملوخية بالفراخ .. استطيع تميز كل رائحة وإستدعاء الذكرى الخاصة بها .. أجد ذلك رائع لانه يجعلنى اتذكر ما نسيته – او ظننت انى نسيته- .. وفى بعض الاوقات اتذكر اشخاص قد فاتوا فأشعر بوجودهم معى للمساندة فى بعض الاوقات او لمجرد سماع النكات والإستمتاع برفقة بعضنا البعض .. لدى ايضاً عادة غريبة .. وهى أنى لا أقوم بشئ فعلته وانا صغير بمعنى انى لا احاول استدعاء بعض الذكريات مرة اخرى .. ليس لسوءٍ بها ولكن خوفاً منى ان تتغير تلك الصورة الجميلة التى فى خيالى .. ففى لحظة اتمنى شرب الشاى بلبن وفى لحظة اخرى اخشى ان اشربه فلا يكون بنفس الروعة عندما كنت صغير .. انها الذكريات التى وضعت بمتحف وكُتب عليها "ممنوع الاقتراب او التصوير او اللعب فيها بأى شكل من الاشكال" .. ولكن عودة لأصل الموضوع .. الذكرى التى تغيرت وتحاول تغيرى ..الذكرى التى هربت من المتحف وقامت بأقتحام حياتى بشكل حديث .. الذكرى التى قد تبدو تافهة لبعض الناس ولكنها تحمل الكثير من المعانى والمخاوف .. على الاقل لى .. انها يا حضرات .. ترام الاسكندرية.

كانت الترام بالنسبة لى وانا طفل "ملاهى" كنت أسعد باليوم الذى تصحبنى فيه أمى فى الصباح للذهاب فى مشوار سريع وأخذ الترام ..كنت احاول ملاحقة السيارات التى نمر بجانبها بعينى ومشاهدة المارة وانا أشعر انى فى آله عجيبة مستمتع بحركتها المتمايلة حتى الوصول لوجهتنا .. كانت تلك هى الذكرى .. بهجة ممزوجة برائحة الصباح الجميلة .. حتى تقدمت بالعمر .. وأصبحت على ما انا عليه الان .. لا انكر انى أصبحت ارى بعض الاشياء اكثر وضوحاً وادقق فى بعض التفاصيل .. حتى أصبحت تلك التفاصيل ما أخشى الوصول عليه فى يوماً ما ! أصبحت أكره اللحظة التى اضطر فيها لركوب الترام فتثير كل مخاوفى من جديد ..

المثير فى الترام ان كراسيها مواجهة لبعضها البعض .. فتستطيع رؤية الوجوة .. وما وجدته اثناء جلوسى هو ان لا يوجد أحد سعيد .. كل شخص جالس يحمل هم، الحزن يخيم على الرُكاب .. لا أعلم لماذا ؟! قد تكون بسبب سرعة الترام المتباطئة او بسبب مستوى النظافة المنحدر .. او ربما بسبب الأطفال "المتشعلقة" .. او قد تكون حياتهم حزينه وبطيئة ومملة .. تماماً مثل الترام .. المرة الوحيدة التى وجدت بها شخص يبتسم كان شخص يحدث نفسه فظننت انه مجنون ! .. ومرة بعد مرة بدأت اخاف ركوب الترام .. لأنى اصبحت اشعر انى سأصبح مثل الجالسين .. ممل وحزين وحامل الهموم .. فقد قررت عدم ركوب مواصله عادية خوفاً من عدم وجودها او لزحام الطريق وركبت واحدة اكثر اماناً وستوصلنى إلى وجهتى النهائية ولكنها تسحب منى فى كل مرة جزء من حياتى السعيدة لتجعلنى شخصاً اخر مثل الجالسين ..

أقدم انواع المشاعر هو الشعور بالخوف، وأقدم انواع الخوف هو الخوف من المجهول .. لذلك يوجد حكمة فى التمسك بالماضى وذكرياته .. لاننا نعرف ما حدث به بالفعل ولكن المستقبل غيرى مرئى –إلا لو مكشوف عنك الحجاب- ، تمسكوا بتلك الذكريات الجميلة وشعورها الدافئ فقد تكون الطريق الوحيد لمحاربة ذلك الخوف بشعوره المُظلم .. لا أعلم مصير ذلك الهاجس المسيطر على فى هذه الفترة ولكنه مسيره ان ينتهى .. إما بالتحقُق او بالتحول إلى مجرد ذكرى اخرى أنظر إليها بإبتسامه وانا أقول "انا كنت اهبل اوى" .. وفى النهاية لن أقول حكمة .. ولكنى سأقول "خلى بالك من التورماى" !
   

  مصطفى الشابى