الثلاثاء، 23 يوليو 2013

سماء الأسرار

سماء الأسرار
جلس الرجل العجوز على كرسيه المعروف فى المقهى الفرنسى الذى طالما تعود أن يجلس فيه ، ففى بعض الأوقات كان يلجأ الى القراءة أثناء أحتساءه فنجان القهوة ، وفى بعض الأحيان كان يدخن غليونه ويتأمل فى السماء من فوقه بدون حواجز تُعيق بصره ، أو يحادث صديقة فرنسية تعرف عليها أثناء تردده المستديم على المقهى.

كان الغيم يحجب ضوء الشمس ويسهل عملية التأمل فى السماء عندما جاءت صديقة الرجل العجوز وقالت بلكنتها الفرنسية "Bonjour" فألتفت الرجل العجوز وأرتسمت على وجهة إبتسامة ورحب بها قائلاً "شئ جميل ان تأتى لتشاركينى جمال هذا اليوم الرائع" ، وطلب منها اأن تجلس معه وتشاركه فنجان قهوة.

أخرج الرجل العجوز غليونه وقام بإشعاله ونظر نظره مطولة إلى السماء ووجه للفتاة كلامه "السماء بالفعل تبدو جميلة اليوم !"
ردت الفتاة بإبتسامه مصاحبه بتردد "بالفعل .. ولكن .. هل لى أن أسألك سؤال ؟"

رد الرجل مُرحباً "بالفعل ... لكى مطلق الحرية !"

تشجعت الفتاة وسألت الرجل "منذ ان رأيتك لأول مرة فى هذا المقهى وانا ألاحظ أستغراقك فى تأمل السماء والسحاب وتعجب بجمالهما وكأنك أول يوم تُبصر عليهم .. لماذا كل هذا الإعجاب ؟"

دخل الجارسون ليقطع عليهم الحوار وقدم للرجل العجوز فنجان القهوة الخاص به ، وطلب الرجل منه ان يأتى بمثله للفتاة وأنصرف الجارسون ولم يجب الرجل على السؤال .. فقامت الفتاة بتذكرته بالسؤال قائله "هل ضايقتك بسؤالى ؟"

رد الرجل مبتسماً " لا .. أبداً .. اعذرنى .. أين كنا ؟"

لاحظ الفتاة تهرب الرجل من الإيجابه على السؤال ... ولكنها لم تيأس .. فقالت له "السماء .. ما الذى يعجبك فيها الى هذا الحد ؟"

رد الرجل "آه .. سؤال جيد .. أنت قوية الملاحظة .. ورداً على سؤالك .. لأنها جميلة .. لا تحظى بتقلبات مثل البحر .. صافية للغاية .. لا حدود لها ولا نهاية !"

ردت الفتاة بوجه نظر أخرى "جيد .. ولكنى أرى فى البحر عُمق ومشاعر محبوسه .. مما يجعله الملهم الأول لى"

قال الرجل "لعل العمق والمشاعر هم السبب الأساسى فى تقلبه وغضبه الدائميين !"

ردت الفتاة وهى تعتدل فى كرسيها "من الممكن أن سبب هذه المشاعر التى تؤدى الى غضبه بسبب كتمه لكثير من أسرار البشر !"

قال الرجل وفى صوته نبره تحذير "من الممكن .. ولكن .. لا تأمنى للبحر .. فمهما طال صمته ، معروف عنه الغدر !"

ردت الفتاة متسائلة "وانت .. لمن إذا تقول أسرارك إذا لم تبوح بها للبحر ؟"

قال الرجل وهو يشاور بالسبابة الى أعلى "للسماء .. دائماً أقول أسرارى للسماء .. إما لطائر على غصن شجرة يغرد .. أو الى سحابة مارة أمامى .. أو الى نجمة تلمع فى الفضاء الفسيح .. غالباً لن تريهم ثانياً .. فمّن السهل أن تبوحى لهم بأسرارك"

ردت الفتاة "والقمر ؟ .. أنه موجود فى السماء معظم الوقت بنوره القوى ، باعث الأمل والسكينة .. هل تبوح له بأسرارك؟"

قال الرجل محركاً حاجبيه الى أعلى "القمر هو الشئ الوحيد الذى لا أتحدث له فى السماء ... لإنى أخشى أن يعاتبنى فى مرة على قول أو فعل عندما أراه ليلة أخرى !"

قالت الفتاة ومرسوم على وجهها معالم الإعجاب بفكر الرجل "شئ جميل أن تكون مستقر على الأرض وحياتك كلها فى السماء !"

رد الرجل " السماء هى حياة الحرية والإنطلاق .. والبحر هو حياة المغامرة"

قالت الفتاة متسائلة "والأرض ؟؟!"

رد الرجل " الأرض .. الأرض هى المدفن الذى يموت فيه الإنسان بفكره وأحلامه !"

قالت الفتاة "لقد أوتيت من الحكمة ما يكفى أهل السماء والأرض"

رد ضاحكاً "لم يبيّض شعرى هباءاً"

قالت الفتاة ضاحكة وهى تنظر للساعة "للأسف .. ولكن على الذهاب الأن ، لدى موعد وأخشى أن أفوته"

رد الرجل "تفضلى .. لا نريد أن نأخرك"

قالت الفتاة "سوف أراك قريباً !"

رد الرجل وهو يلوح لها "بالتأكيد"

ومضت الفتاة الى طريقها ، وعاد الرجل الى سماءه وغليونه ، وأستكمل مشاركة أسراره مع سماء الفضاء الواسعة !"


                                                                                 مصطفى زكريا الشابي

الثلاثاء، 9 يوليو 2013

سلطة !

سَلَطة !
أجتمع الموظفون العاملون بمصلحة الشئون الإجتماعية على مكاتبهم فى الصباح الباكر ليباشروا عملهم المخصص لخدمة المواطنين .. ثم ألقى أستاذ خليل سؤال على زمائله الموظفين

 "هو أستاذ إحسان مجاش النهاردة ولا إيه

فرد عليه الأستاذ فتحى "لا .. ما هو قال حيتأخر النهاردة شوية"

فقابله أستاذ خليل بدوره بسؤال آخر " ليه كفا الله الشر ؟"

رد أستاذ فتحى "أبداً يا سيدى .. الأستاذ حابب يعزمنا النهاردة على الفطار"

قال الأستاذ خليل "كتر خيره والله .. على الله مايتأخرش عشان مايخدش جزاء من المدير"

رد فتحى " اه والله عندك حق .. إكمن المدير بتاعنا ده .. أستغر الله العظيم"

قال خليل وهو يغمز بطرف عينه لفتحى بعد أن لمح المدير وهو يمر بجانب المكتب "بس والله أحسن مدير جالنا من فترة طويلة"

 ثم لمح فتحى الأستاذ إحسان وهو فى أخر الممر ومعه كيس ممتلئ على آخره وقال "أهو شرف اهو"

دخل إحسان المكتب وجلس على كرسى مكتبه الخاص المُطل على منظر المترو وأخرج زفرة قوية تنم على التعب .. وقال لزملائه "جبتلكم شوية سندوتشات انما ايه .. حتعجبكم أوى .. من محل الناس ملمومة عليه بطريقة غريبة .. الغريب عن المنطقة يفتكر انه يوزع سندوتشات ببلاش !"

قال خليل "تسلم إيدك والله .. شكلك تعبت عقبال ما جبت الأكل"

رد إحسان "وأى تعب .. بقولك زحمة رهيبة .. مد أيدك بقى وخدلك سندوتش .. تحب فول ولا فلافل ؟"

رد خليل "هات فول" وقال فتحى "إدينى انا بقى أتنين فلافل"

أعطى إحسان السندوتشات لكلاً من خليل وفتحى .. وبدؤا فى الأكل بشراهة .. وأعجبوا بالطعام للغاية حتى طلبوا منه أن يكثر من هذه العزائم الشهية ولكن فى هذه الأوقات كان إحسان ينظر بإحباط الى سندوتشه .. فسأله خليل عن سبب إحباطه

"مالك يا إحسان .. مش بتاكل ليه ؟"

رد إحسان "ابداً .. بس البياع الغبى .. حط لى سلطة فى الرغيف .. وانا مابحبهاش!"

رد خليل "ما هى غلطتك .. كنت لازم تقوله"

قال إحسان "قلته أكتر من مرة .. حتى إنى ساعات باتعمد دخول المحل فى أوقات مفيهاش زحمة عشان أكد على الواد اللى بيعمل السندوتش انه يحطش سلطة .. بس بردو .. بمجرد أنى أروح بلاقى الرغيف كله سلطة"

قال خليل " مجربش تشتكى للمدير ؟"

رد إحسان "روحت والله .. قلت له كده ماينفعش .. وانا زبون قديم والحركات دى .. ووعدنى بحل المشكلة فى المرات الجاية .. وبردو مفيش حاجة أتحلت .. كل أما أفتح السندوتش الاقى سلطة"

قال خليل مازحاً "مجربتش تغير السندوتش ؟"

رد إحسان بأسف "عملت كده فى مرة .. دخلت المحل وقلت له عايز واحد بطاطس من غير سلطة .. وبالفعل أخدت طلبى وفتحته وتأكدت ان مفيش فى سلطة"

قال خليل "حلو .. اهى أتحلت"

رد إحسان بنفس نبرة الأسف "ساعتها تخليت ان ربنا رضى عنى وحاكل سندوتش من غير سلطة .. بس فجأة أكتشفت وجود سلطة فى قاع الرغيف"

قال خليل "وأتصرفت إزاى ؟"

رد إحسان " دخلت المحل وطلبت المدير وزعقت وبهدلت الدنيا .. وقال لى الصبى اللى عمل السندوتش .. (حضرتك مطلبش انه يكون من غير سلطة) .. ساعتها طلبت من المدير انه يرفده ويجيب واحد تانى ميكذبش الزبون"

قال خليل .. "جميل .. عرفنا العيب كان منين .. وياترى .. أترفد ؟"

قال إحسان " أترفد آه .. وجابوا واحد تانى زباين المحل المضرورين نقوه .. وقلت ساعتها مش حلاقى سلطة .. بس قليل الحظ يلاقى العضم فى الفشة  .. من أول يوم .. لقيت سلطة وأكتر من الأول كمان"

أقترح خليل ببراءة "طب ما تغير المحل ؟"

قال إحسان "وأروح فين .. مفيش غيره قدامى"

قال خليل "ليه يا عم ... محلات ربنا كتير"

قال إحسان "المحل ده أرخص محل فى المنطقة .. وأقرب واحد لبيتى وعشان أغيره .. حيبقى فى مشاوير وتذاكر مترو وتُكُسة ووجع قلب"

قال خليل "يااه .. مفيش قدتمك غير إن صاحب المحل يموت .. او يتغير"

قال إحسان "تفتكر ده الحل ؟!"

قال خليل "أكيد .. مفيش غير كده"

قال إحسان "يا خليل يا صاحبى .. المحلات دى كلها ماشية بنظام واحد .. المدير يموت ، يتغير .. العُمال أتعودت على نظام واحد .. اللا مبالاة ، عندك مثلاً المصحلة دى .. جه عليها كام مدير .. حاجة أتغيرت .. خلاص .. النظام تغلل فى المصلحة حتى أصبح روتين من المستحيل تغيره .. إلا لو غيروا العُمال والموظفين والمدير .. من الأخر .. مصلحة جديدة !"

قال فتحى وقد أنتهى من نائبة من السندوتشات " لك لك لك .. أسكتوا شوية بقى عشان المدير بيمُر"

وقام خليل وفتحى وإحسان بالإنهماك فى الأوراق امامهم لحظة مرور المدير .. ودخل المدير المكتب ووقف الموظفين الثلاثة العاملين به و توجه الى مكتب الأستاذ إحسان قائلاً "أكل فى المصلحة يا إحسان ؟"

رد إحسان "ده فطار يا باشا .. حاجة بسيطة كده .. أتفضل معانا" ومد إحسان للمدير يده الممسكة بالساندوتش

قال المدير وهو يأخده "بعد كده متعطلوش مصالح الناس" ويأخد المدير قضمة من الساندوتش ويسأل إحسان "منين الأكل ده ؟"

رد إحسان "من محل شرق"

قال المدير "وياترى شُفت كمال ؟"

سأل إحسان "كمال مين يا فندم ؟"

رد المدير "كمال المدير .. شُفته"

رد إحسان "إيوة يا فندم .. شُفته .. هو حضرتك تعرفه ؟"

قال المدير "قال اعرفه قال .. كمال ده يبقى أخويا"

أندهش إحسان وباقى زملائه برد المدير وقال "أخو معاليك ؟"

رد المدير "أيوة ايوة .. هو مفيش شبه كبير فى الشكل .. بس طبعاً فى شبه فى الإدارة .. شُفت ممشى المحل إزاى على العجيب ما يلغبطوش !"

رد إحسان "أكيد يا فندم .. ده أحسن محل فى المنطقة كلها .. الله يحفظكم جميعأً"

رد المدير " شكراً شكراً .. يلا كملوا شغلكم .. وانت يا خليل .. خلص ملفات بتاع الست الأرملة النهاردة !"

قال خليل "حاضر يا فندم .. أمرك"

وغادر المدير المكتب .. وجلس الزملاء الثلاثة على مكاتبهم ونظروا لبعض بتعجب .. وقال إحسان وهو ينظر لكيس الطعام موجهاً كلامه لخليل "مش قلتلك .. مفيش فايدة !"


                                                      مصطفى زكريا الشابي

الجمعة، 5 يوليو 2013

سيناريوهات النهاية

سيناريوهات النهاية
على مدار العاميين الفائتيين شهد العالم بأجمعه –أو على الأقل الوطن العربى- إزدياد فى حالات الموت المفاجئ وسفك للدماء بسبب صراعات سياسة وشخصية .. وإيماناً من شخصى المتواضع أن الإنسان لديه الحق فى حياة كريمة ، يجب أن يكون على أستعداد لبعض السيناريوهات المقترحة لموته بإحدى الطرق القادمة !

السيناريو الأول : شُرفة مُطلة على الشارع !

المشهد : الشاب يجلس على فوتيه فخم يتابع فيلماً على قناة فضائية ويسأل والدته عن الطعام المقدم على سفرة الغداء وعن مكان نزهة بعد الظهيرة ، وإذا بصوت عال فى الشارع فيخرج الشاب بكل براءة الى الشُرفة وينظر الى الجموع الحاشدة بفرحة التأييد وإذا بصوت شاذ يعكر صوت الهتافات الجميلة ويخترق الجموع ، يتلفت الشاب ذات اليمين وذات اليسار فى محاولة يائسة للبحث عن إجابات ولكن تنتهى بجسد مُسجّى على ظله والدماء تسيل من رأسه وإذا بنزهة بعد الظهيرة تتحول الى إجرائات روتينية للتعجيل بعملية الدفن !

السيناريو الثانى : آلام الموت أهون من آلام الحياة !

المشهد : يتمشى الشاب وحبيبته على أطراف البُحيرة يتأملون فى المستقبل ويدعون الله بتحقيق أحلامهم ويتناقشون فى أسم المولود الأول وهل سيكون ذكر أم أنثى ويبنون بيت أحلامهم بطوبة من فضة وأخرى من ذهب ! ، وإذا بشاب دسيس على المشهد يعكر صفو الحبيبين.. يحاول الدسيس التعدى الجنسى على الفتاة ، فيتدخل الشاب سريعاً لمنعه والدفاع عن شرفه حتى وإن مات ، فكان مبدأه "أن تتألم مرة وانت تموت دفاعاً عن كرامتك خيراً من أن تعيش وسط الآلام اللا نهائية من الخسة والذل" ولكن يقتحم جسد الشاب سلاح حاد ، تصرخ الفتاة ، يهرب الدسيس ، ويأتى الأسعاف متأخراً !

السيناريو الثالث : حرب عصابات !

المشهد : يعيش الشاب هنيئاً بوطنه المستقر وصوت ضحكات الأطفال تملأ المكان بروح فرِحة والجناين خضراء والفراشات تطير حول البُحيرة وضوء الشمس ينعكس فى عين إمرأة عجوز وإذا بصاروخ ينزل على تلك البقعة فيجعلها هشيماً .. يسود الصمت المكان ولا يوجد سوى صوت نحيب طفلة من بعيد..  يحل الضباب .. ووسط آلاف الجثث نجد جثة الشاب ! ثم يظهر صوت فى الخلفية السوداء يقول بلغة رسمية "إعلان السيادة العسكرية لنا على هذه المنطقة !".

السيناريو الرابع والأخير : قبر الأحياء الأموات !

المشهد : لجنة إمتحان فى مدرج بالجامعة وباقى من الوقت خمس دقائق  ، تمر الدقائق على الممتحنين بصعوبة وملل ولكن بترقب إيضاً .. فكلها دقائق حتى يتم أعلانهم خريجيين من الكلية .. وبالفعل أنتهى الوقت وخرج الشباب إلى الحياة وتحمسوا بأفكارهم البناءة ولكن طالت مده الإنتظار ، وكثرت جرائد البحث عن الوظائف وتزوجت فتاة الأحلام من رجل مقتدر مالياً وأدرك الشباب أن تشوقهم لإنتهاء الخمس دقائق للدخول على مشارف حياة جديدة سعيدة ، ماكانت إلا لدخول قبر .. قبر ملئ بالأحياء الأموات !
                                                                                                                                

ما كانت تلك السيناريوهات سوى نقل للواقع الذى نعيشه ، ومع مشارف حكم جديد فى مصر نأمل من الله أن يتم تأمين حياة المواطنين .. نفساً وجسداً.
إذا مات الجسد .. إنتقلت الروح الى خالقها ولكن ، ماذا لو ماتت الروح ؟؟!

                                                                        مصطفى زكريا الشابي