الجمعة، 25 أكتوبر 2019

لقد وجدتها !!!


                  لقد وجدتها !!

"لقد وجدتها !!"
هكذا صاح العالم اليوناني ارخميدس وهو يجري عارياً من منزله عندما اثبت ان التاج الجديد لملك سيراكوس لم يكن من الذهب الخالص وان الصائغ قد قام بغشه .. وذلك عندما انغمس في الماء في حمام عام، هنا أدرك أن الماء المستبدل بجسده يساوي وزن جسده ..مما جعله يدرك ان هذا الاكتشاف سيحل لغز التاج فخرج من الحمام مسرعاً يركض في الشوارع عارياَ يهتف "وجدتها ، وجدتها !" وتطور هذا الاكتشاف فيما بعد لما عُرف بقانون الطفو !

الامر بالنسبة الي مشابهاً الي حد ما فيما يخص الاكتشافات .. يختلف الامر في انه ليس اكتشاف علمي سيغير الكون .. وانني اكتشفته وانا اردتي كامل ملابسي .. الأمر كما يلى، منذ فترة طويلة وانا اعاني من اكتئاب عنيف .. اشتد وطأه في ايام او خف في اخري .. كان يجب علي الاعتراف انه موجود .. ولكني احترت في سر وجوده ! بالطبع كان من الممكن ان اقوم بسؤاله ولكن من عدم الاحترام ان تسأل ضيف عن سبب زيارته ومتي سيرحل .. مهما طالت المده او قصرت .. حتى وإن كرهت وجوده فى منزلك ..هكذا تعلمت منذ الصغر وهكذا علمني اهلي والكتب !

لذلك كان علي ان ابحث في الامر .. اقوم بإستخدام القليل من خبراتي في الجاسوسية التي اكتسبتها من مشاهده افلام جيمس بوند لإكتشاف سر هذا الاكتئاب المزمن .. فى البداية ظننت ان ظروف عملى هى التى دفعت الاكتئاب لزيارتى .. فبالتأكيد ان تعمل لاكثر من اثنى عشر ساعة فى اليوم كافلين بجعلك ان تفقد عقلك .. واقتنعت بهذا لفترة طويلة بالذات انها لم تكن وظيفة احلامى .. لطالما اردت ان اعمل فى مجال اخر .. إلا انه لم يكن هذا هو السبب، ظننت انها بعض المشاكل العائلية .. ولكن لنتحلى بقليل من الصراحة ! لا أحد حياته العائلية خالية من المشاكل ! فبعض الاحيان تشعر ان عائلتك واصدقاءك كلهم ملتفون حولك يعطونك الدعم النفسى الذى تريده .. وبعض الاحيان تشعر انك وحيد تماماً ! .. ولكن ايضاً لم يكن هذا هو السبب !

وفى يوم من ايام الشتاء اللطيفة .. حيث يداعبك الهواء البارد وتلاطفك قطرات الشتاء الخفيفة .. ـــ حتى يتحول الامر مرة واحدة إلى التهاب فى الشعب الهوائية .. اعذرونى لم اكن ابداً من محبين الشتاءــــ كنت اقوم ببعض القراءة الخفيفة .. حتى جاء امامى اكتشاف ارخميدس لقانون الطفو والقصة اللطيفة لخروجه عارياً معلناً انتصاره ب "قد وجدتها !" ل تنير اللمبة فوق رأسى معلنة عن مجئ فكرة تنويرية اقرب للأكتشافات كانت ستجعلنى اقوم من الكافيتريا بدون دفع الحساب هاتفاً فى الشارع .. لقد وجدتها .. وجدتها !"

مع دخول فصل الشتاء وتغير المناخ ورائحة الجو .. اصبح يصيبنى الحنين إلى الماضى .. حتى وإن كان هذا الماضى ليلة امس ! .. بدأت احن لبعض المواقف التى قد تكون لمعظم الناس غير مميزة بالمرة بل بالعكس قد يراها الناس انها ذكرى سيئة تدعو للضيق .. مثل ذكرى اول مرة شاهدت فيلم معالى الوزير عندما كنت مصاب بالحمى ! اما البعض متكرر لا يوجد به شئ مميز .. مثل ذكرى مرة من المرات العديدة التى قمت بالاتفاق مع صديقى باللعب معه على البلايستاشن بعد الكلية ! كلها ذكريات لا شئ مميز فيها .. إلا انى احن اليها كثيراً واحزن انها لن تتكرر مرة اخرى ! ولكن الامر لم يكن هكذا ايضاً .. كان الموضوع اعمق من هذا .. وهو اننى اظن اننى اشتاق لنسخة من نفسى كنت عليها فى يوم من الايام .. ولكنها اختفت او تغيرت مع مرور الايام لتصبح شخصية اخرى .. اشعر تجاهها بالغربة ! وبالرغم من سعادتى بإكتشاف سر وجود الضيف الثقيل عندى فى غرفتى .. إلا انى استمريت فى الحزن .. لان ببساطة لن استطيع ان امحى هذا الشعور بالاشتياق والحنين !
فكان يجب على ان اتركه يأخذ مجراه المعتاد .. لينتهى فيرحل على انتهاءه الضيف الثقيل !

ثم قابلت صديق لى من ايام المدرسة .. وحكيت له عن هذه المشكلة ويليها الاكتشاف الذى اكتشفته .. وقال لى شئ اصنفه من الاقوال المأثورة فى حياتى التى اقتصصها من الكتب والافلام .. قال لى "الماضى لو كان عنده حاجة جديدة يقدمها مكنش بقى ماضى !" توقفت قليلاً وحاولت استيعاب الجملة .. ثم اكمل "اللحظة اللى انت بتقول عليها كانت حلوة ونفسك ترجع لها تانى دى خلاص .. لو كانت حلوة زى انت متخيل كانت كملت معاك او كانت اتكررت تانى بس كونها متكررتش تانى ده يجعلها مش بالعظمة اللى انت متصورها !" وجعلنى انتبه ايضاً ان من كثرت تفكري فى الماضى جعلنى اتوقف عن الاستمتاع بالحاضر .. فأصبحت بالبلدى "زى اللى رقصوا على السلالم" لم اطول الماضى الذى اشتاق اليه .. ولم استمتع بالحاضر الذى اعيشه ! مما جعلنى اتقبل قليلاً وضع هذا الاشتياق وانه ليس كما اتصور ! وانها كانت مجرد لحظة جميلة .. بالتأكيد سيأتى اجمل منها فى المستقبل !

وبعد كل هذا التفكير والاكتشافات قررت ان اقوم لعمل فنجان قهوة سادة لضيفى الثقيل .. كنوع من انواع اكرام الضيف .. إلا انى عندما خرجت من المطبخ وجدته يهم بالرحيل .. فودعته وعدت للمطبخ مرة اخرى، اضفت ثلاث معالق سكر وذهبت إلى البلكونة لاستمتع بقهوتى الزيادة وانا اشاهد المطر ينهمر على ضيفى الثقيل وانا اقول لنفسى "داهية ماترجعك !"

مصطفى الشابى


هناك تعليق واحد: