الخميس، 3 يناير 2013

الكل مخطئ يا عزيزى


الكل مخطئ يا عزيزى



جلست على السرير بعد ان ارتدت البيجامة ومددت يدها لتأخد كتابها التى أحضرته معها  فكانت تقرأ بعين وتنظر الى الساعة بالعين الاخرى ... لم تفهم كلمة واحدة من الكلام المرصوص أمامها فكان فكرها مشغول به ... "هل ياترى لماذا تأخر ؟؟ لعله لم يستطع ان يأخد أجازة من العمل .. او لعل زوجته شكت فى الأمر ومنعته هذه المشكلة من السفر .." ثم قالت مسرعة " لا لا لم تشك فى شئ .. لعلها المواصلات ... نعم بلا شك انها المواصلات"
                                       ****************

كانت نادية فى الخامسة والعشرين من عمرها لازالت صغيرة مفعمة بالطاقة والحيوية .. لم تتزوج بعد وفاة زوجها الاول .. ليس لحبها له ، فأنها لم تحبه فى حياتها ولو مرة ، لقد تزوجته مرغمة لكى ترضى والديها وترحم نفسها من سماع نفس الكلام كل يوم "لازم تتجوزى عشان مايتقلش عليكى عانس" "انا كبرت وعايز اتطمن عليكى" "حب ايه يا هبلة أهم حاجة جيب الراجل" ولكن بعد جوازها ووفاة زوجها لم تسلم من كلام الناس "يا حبيبتى .. مخلفتيش ؟؟" "بردو لقب أرملة أحسن من لقب عانس" "تلاقيها هى اللى قتلته" فأدركت انها يجب ان تتبع أهوائها ورغباتها منذ البداية ولا تنتبه لكلام الناس .. فالناس ليس لديهم اى شعور بالاخر .. انهم فقط يروا الشخص من الخارج .. المهم انها متزوجة لا يهم ان كانت تحظى بحياة سعيدة مرحة او حياة تعيسة مملة ، المهم انها فلتت من لقب عانس .

مجدى بيه ابو المجد صاحب أكبر شركات صنع الحديد والملياردير والسياسي المعروف ... توفى بسبب سرطان الرئة .. فبرغم من انه كان كبير فى السن .. تسعة وستين عام ، الا انه لم يحب شيئاً فى حياته سوى السيجار وكأس الخمر فكانت نهايته على يديهما .. كان قد تزوج نادية لكى يحظى بممرضة تعطى له الدواء .. فكانت مهام الزوجة تقوم بها نساء اخريات .. فنادراً إذا كان يجلس مع نادية فى أمسية هادئة لكى تعطيه ما يريد ثم يقوم يكمل حواره مع الكأس . فبعد وفاته شعرت نادية انها حرة .. نعم أخيراً ليس لأحد سلطة عليها ولا حتى أبيها الذى أرغمها بهذا الزواج .. فكانت تستطيع ان تسافر ، تعمل ، تصاحب ، تخرج ، تتزوج .. ولكن الزواج كان صعب بالنسبه لها .. فلا أحد يحب ان يتزوج أرملة او مطلقة .. انهم يحبون المرأة غير مكتشفة .. غير ملموسة .. لا أدرى لماذا .. لعلهم يفضلون أنثى خام .. "مش فاهمة" حتى اذا لم يقوموا بالشغل المطلوب لا يشعروا بالأحراج .. فكانت نادية تعلم ان هذا الشعب معقد .. مرتدى ثوب الأخلاق والفضيلة طوال الوقت أمام الناس .. حتى إذا انتهى به الأمر وحده خلع هذا الثوب ومزقه وجعل منه "ممسحة بلاط" .

كانت نادية تعيش حالة من الوحدة فقد كانت تعيش فى الفيلا التى ورثتها عن مجدى بيه وحدها .. لا صوت فى الفيلا سوى صوتها وصوت "هالسكى" الكلب الخاص بها وصوت البيانو الذى من خلاله تشكى وحدتها وتكسر به الصمت المخيف .. لازالت تبحث عن فارس أحلامها ..لازالت تبحث عن هذا الشخص الذى يشعل فيها أحساسها بأنوثتها بعد أن قتل المرحوم هذا الشعور .. لم تنقطع يوماً عن البحث عنه.

آدم .. خمس واربعون عاماً .. متزوج و لديه بنت فى الرابعة ، يعمل طبيب بيطرى .. تزوج ناهد بعد أن شعر انه لا يستطيع العيش بمفرده فى القاهرة .. فقد كان اهله فى الأسكندرية ولكن لظروف العمل أنتقل للعيش بالقاهرة. فكانت ناهد فتاة جميلة ، متعلمة ، ذكية ، قادرة على إدارة المنزل .. هذا ما يتمناه كل رجل . ولكن أنتقلت حياة الأستقرار الى حياة مليئة بالمشاكل .. فقد كانوا يكرهوا بعض فهى بالنسبة له خادمة تعمل على راحته وتنظيف البيت وتربية ابنته اما هو بالنسبه لها فقد كان مثل المثل "ضل راجل ولا ضل حيطة" وكان يصرف عليها ببزغ .. هذا هو البيت المصرى المثالى الأن.

ذهبت نادية بهالسكى الى آدم .. لقد حكت لها أحدى أصدقائها عن انه طبيب ممتاز وانه شفى لها قطتها .. أجلستها السكرتيرة لتنتظر دورها .. لم تنتظر كثيراً حتى دخلت فوجدت رجلا كامل الرجولة .. يوجد بعض الشعيرات البيضاء فى رأسه ، جسد ممتلئ ، مظهره مهندم .. لم تتوقع هذا المظهر فطالما كان أطباء الحيوانات يوجد بهم شئ من "البهدلة" .. رحب بها بصوته الدافئ الرخيم و طلب منها الجلوس وشرح مشكلة الكلب .. فقام بهز رأسه وتفحص الكلب وقام بكتابه الروشتة .. وأثناء كتابته لها رن هاتفه .. كانت زوجته ولكنه رد ببرود كالعادة و من خلال الحوار فهمت نادية انه متزوج فأصابها الأحباط ولكن سرعان ما تغير هذا الشعور بالأمل وفرحة عندما عرفت من خلال هذه المكالمة ان يوجد بينهم مشاكل .. وأدركت انها مشاكل مزمنة لأنه  لم يكن يرتدى فى يده الدبلة. أنهى أدم المكالمة وقام قطع الروشتة فسألته نادية "فى مشاكل ولاحاجة؟؟" رد آدم "لا أبداً المشاكل اليومية .. اتفضلى الروشتة و ان شاء الله يبقى كويس فى خلال أسبوع" قالت نادية فى نبرة طلب " ممكن نمرة تليفون حضرتك علشان لو هالسكى تعب ولا حاجة أتصل بيك" وبالفعل أعطى آدم النمرة لنادية وودعها. كان هدف نادية الأساسى من طلب النمرة هو مقابلة آدم ، لعلها تستطيع ان تجعله يعجب بها مثلما هى معجبة به ، فقد كان آدم هو فتى أحلامها التى كانت تبحث عنه.

مر أسبوعان على لقائها مع أدم فى العيادة فجلست على سريرها وفى يدها هاتفها .. هل تتصل به ؟ هل تأتى به الى الفيلا ؟؟ ولكن ماذا إذا رائه أحد وهو يدخل ويغيب ؟؟ ماذا إذا كانت المشاكل بينه وبين زوجته حُلت ؟؟ ماذا سيكون موقفها ؟ ترددت كثيراً قبل ان تتصل به ولكنها أستجمعت ما بقى لها من شجاعة وأتصلت .. رد عليها بصوته الدافئ الرخيم "الو" ردت نادية "الو ازاى حضرتك يا دكتور" رد آدم "الحمد لله .. مين معايا؟؟" ردت نادية "ايه ده أنت مش فاكرنى ؟؟ انا نادية .. جيت لك من أسبوعين معايا هالسكى الكلب .. اما كنت بتكلم مراتك فى التليفون" رد آدم سريعاً "اه اه اهلاً وسهلاً .. خير يا فندم ؟؟" ترددت نادية فى الرد ثم قالت "ألحقنى يا دكتور .. الكلب تعبان اوى لو ينفع تعدى عليا دلوقتى" رد آدم "انا فى العربية ومروح .. ممكن تدينى العنوان وحيبقى عند حضرتك على طول" أعطته نادية العنوان وقامت من على السرير سعيدة ، فرحة ... نادت على الخدم جميعاً واعطتهم أجازة لمده يومان من الان ثم دخلت للاستحمام ولبست فستان من فساتينها التى أحضرتها خلال سفرها فى باريس و جلست فى أنتظار حتى جاء.

 ضرب جرس الفيلا فذهب مسرعة فى خطواتها لتفتح الباب .. بمجرد ان رأى آدم نادية فى ثوبها أدرك انه لم يأتى لعلاج الكلب .. بل أتى لعلاج صاحبته .. لقد كان ينتظر هذه الفرصة ولكن لم يكن عنده الشجاعة .. لقد وجد من يعطيه ما يفتقده من زوجته .. لعلها كانت تمتعه من الحين للأخر ولكنه دائماً كان يراها بمنظر الخادمة .. فقد كانت لياليهم باردة ، أخيراً وجد من يعطى للياليه الاثارة .. مثل ما حدث لآدم حدث لنادية .. فلقد سلمت نفسها لفارس أحلامها .. لمن يخلصها من آلام الماضى .. لمن يحسسها بأنوثتها .. لمن يعوضها عن سنين الحرمان .. لقد كانوا هم الاثنين  فى حاجة الى بعضهم البعض .. لقد كانت علاقتهما مثالية .. لم يهتموا لما قد يقوله الناس .. فأنهم عانوا حتى وصلوا الى بعض .. لقد كانوا هم الاثنين ضحية لمجتمع يهتم بالمظاهر والالقاب .. لقد أستمرت علاقة آدم ونادية حتى الأن وبعد ان تنتهى القصة .. أن القصة ببساطة ..

يقوم الناس باخطايا بسبب معقتدات سخيفة ترسخت فى عقول وأذهان المجتمع .. ليس الذنب على من قام بالخطيئة وحده .. بل هو أيضاً  ذنب من سجن حياتهم بسبب هذه المعتقدات .

أفعل ما تريد فى حياتك طالما انت مقتنع به ... فأنها حياتك أنت .. أنت من سوف تحاسب عليها ليس الأخرين .


                                                                               مصطفى زكريا الشابي


هناك تعليقان (2):

  1. عجبتني اوي فكرة الترتيب ... بجد عندك حق احنا مجتمع عايز يتولع ف تصنيفاته
    بس جميلة يا مصطفي

    ردحذف
  2. الهروب من الروتين ! (:

    ردحذف