الأحد، 30 ديسمبر 2012

رقصة المطر


رقصة المطر

إنها الواحدة بعد منتصف الليل ، لا أشعر بالنعاس بل أشعر بنشاط  ، مع إن يومى كان ملئ بالأعمال ، ذهبت الى المطبخ لعمل مشروب ساخن .. لم أجد سوى القرفة .. ابتسمت وقمت بعمل كوب منها .. ثم ذهبت الى سريرى وقمت بتدفئه نفسى . كان المطر ينهمر .. كم أحب الاستماع الى صوت قطرات الماء وهى تلمس زجاج الشٌباك .. بدأت اتذكر ذكرياتى مع المطر وانه كان سبب سعادتى الحزينة .

منذ ثلاثة اعوام جئت لأمريكا للعمل .. كانت حياتى بائسة ،مملة لعل السبب انى كنت وحيد .. ما أسهل اقامة علاقة عمل ولكنهم جميعاً كانوا من ذوات الدم البارد .. العمل فقط .. حتى النساء كانوا مثل الرجال فى التعامل ... فما فائدة المرأة اذا لم تشعرك بأنوثتها ؟؟! لقد كان شعارى فى الحياة ان "حياة بدون نساء فهى حياة محكوم عليها بالفشل والموت البطئ" هذا ما كنت فيه الميت الحي .. الى ان جاء اليوم الذى أعطى حياتى بعد ذلك طعم .
كانت ليلة رأس السنة ... ليلة شديدة المطر .. فمن نزل يومها من بيته فهو شئ من اثنان يا مضطر يا مجنون ... أحب ان اصنف نفسى بين المجانين .. لقد اردت ان استمتع بأول ليلة فى العام الجديد مثل باقى العالم .. وكم تميزت أمريكا بأحتفلات رأس السنة .. كنت أنوى الذهاب لمطعم فخم للاستمتاع بالليلة، ولكن نظراً للظروف الجوية لم استطع الوصول فأضررت الدخول الى احدى الحانات القريبة منى للاحتماء من المطر .. لا مفر من الخروج الان .. لقد افسد المطر يومى .

قمت بخلع البلطو وجلست فى هذه الحانة مبعثراً بكلام غاضب  .. ثم جائت امرأة للعزف على البيانو فبمجرد ان بدأت العزف شعرت بنشوة لم أشعر بها من قبل .. وكأن قلبى قد ذاب .. لا ادرى اذ كنت أعجبت بالعزف ام بالعازفة ... لقد كان جسدها مثل الكمنجة ... شعرها الناعم الأسود المتدلى على كتفيها .. لم أكن اريدها ان تنتهى ولكن بمجرد ان انتهت بعثت لها مع الجارسون وردة معاها كارت ابين فيه اعجابى الشديد وادعوها لمأنستى فى وحدتى .. وبالفعل قد جائت مبتسمة .. ولكن بمجرد ان رأتنى ذهبت هذه السعادة وحل على وجهها علامات الأحباط .. لعلها كانت تتوقع ان من بعث لها الوردة والكارت شخص اخر.. عندما جائت  نظرت فى عينيها .. فكانت سوداء كالفضاء محلاه ببضعه الدموع المحبوسه مثل النجوم .. لقد تهت فى فضاء عينيها.

جلسنا فقلت لها "تشربى ايه" قالت لى "القرفة أكتر حاجة بتدفى فى الجو ده" قلت لها بحماس " عزفك على البيانو كان هايل" قالت لى فى سعادة "ميرسى" قلت متسائلاً "كنت متوقعة حد تانى ؟؟" قالت " المفروض انى كنت حقابل صاحبى بقالى ساعة مستنياه.. وانت ؟؟" أجبت "كنت رايح مطعم من المطاعم المشهورة اقضى فيه الليلة بس معرفتش بسبب الشتا اللى لولاه مكنتش سمعت أحلى عزف ولا كان زمانى قاعد مع أحلى واحدة" قالت وهى تحاول إخفاء وجهها " متبلغش كده" سألتها " وانت بتشتغلى هنا ؟؟" ردت بسرعة " لا ... ده كاريوكى من نشاطات ليلة راس السنة .. بيخلوا اى حد بيعرف يعزف او يغنى يطلع على المسرح" رديت عليها متمنياً "طيب تحبى ترقصى ؟؟" قالت "تعرف؟" رديت "على قد حالى كده" موافقتها على الرقص جعلتنى فى فى أشد السعادة .. وضعت يد على وسطها والاخرى فى يديها .. ما أجمل ملمس يديها !! رقصنا التانجو ... رقصة العشاق ... رقصة الشغف ... كانت أمتع لحظات حياتى .. وانتهت الرقصة وبدأ العام الجديد.

 حل الظلام فى الحانة وانا متعلق بشفتيها ... قبلة الحياة ... شعور بالدفء والطمأنينة ... لم أكن اريدها ان تنتهى .. أظن انها كانت مستمتعة مثلى .. وانتهت القبلة وسمعنا تصفيق جميع من بالحانة اعجاباً بالرقص ثم جلسنا مرة اخرى كانت القرفة قد وصلت على الطاولة .. قلت "مش عايز ادوق اى حاجة تانية بعد البوسة دى" لم ترد و أكتفت بضحكة خفيفة وبدأنا فى الشرب.

لم أكن احب طعم القرفة .. ولكن شعورى بالحب ناحية هذا المرأة جعلنى اشربها و اعجب بطعمها .. فقد كانت لذيذة.

وعندما انتهت من شرب كوبها قامت قأله "لازم امشى دلوقتى ... احسن الطيارة تفوتنى" رديت عليها وانا مصدوم"انتى مسافرة ؟؟" ردت فى يأس "اه ... لازم ارجع بريطنيا تانى عشان الشغل وخلاص شفت كل اللى انا عايزه اشوفهم هنا من صحابى و عيلتى واللى كنت فاكراه بيحبنى ادانى بومبة" سألتها فى يأس " حشوفك تانى قريب؟؟!" قالت لى "ممكن فى راس السنة الجاية حتلاقينى فى نفس المكان" ثم قامت مسرعة لبست البلطو و نظرت اللى ملوحة يديها و قالت فى صوت ممتزج بالسعادة والحزن "شكراً على الليلة الجميلة دى ... مش حانساها" وذهبت اللى المطار.

لم ارها منذ ذلك الحين او ارى مثلها .. هذا الجمال المختلط من بين الموهبة الامريكية والجمال الفارسى والجسد الفرنسى والروح المصرية ... حاولت ان انساها بمعرفتى لنساء اخريات ولكن لم يستطيعوا ان يملؤا الفراغ الذى سببته لى، حتى قُبلتها .. طعمها لا يزال فى فمى حتى الان .

 وفى كل رأس سنة كنت اذهب الى نفس المكان وأطلب كوبين من القرفة املاً فى ان تأتى ....

ولكنها لم تظهر .
                                                مصطفى زكريا الشابى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق