الاثنين، 3 يونيو 2013

ترام النهضة !

ترام النهضة

الساعة الثانية عشر ظهراً وقد أشتدت حرارة الصيف على رؤوس الواقفين ، فجعلتهم فى حالة سخط على الجو مرددين "الجو عمره ما كان كده" ، وكالعادة لم يكن المكان مكتظ بالمواطنين ولكن فى مثل هذه الأماكن يزداد الأزدحام كلما زاد الإنتظار ... عن محطة الترام أتحدث !

وقفت مثل باقى المواطنين فى إنتظار الترام .. فهى من أأمن وسائل النقل وأرخصها ، فالكمسرى لا يطلب سوى خمسة وعشرون قرش –او يعفو- والترام كما يُعرف عنها أيضاً انها وسيلة نقل كلاً من المحالين على المعاش و"العواطلية" مما يجعلها أكثر وسائل المرور إستخداماً ! المهم ذهبت للوقوف فى محطة الترام وحولى رجلان وشاب وفتاة وأمرأة عجوزة ، كان الإقبال فى مثل هذا الوقت قليل فالمجنون أو المضطر فقط هو من يرمى بنفسه فى مثل هذا الجو !

بحثت عن مكان بعيداً عن أشعة الشمس لكى أسلم من الحرارة ولكن لم أسلم من الذباب ، ولكن سلمت أمرى لله ووقفت فى إنتظار الترام .. وفى مثل هذا الحر لا يمكنك التصدى للتخاريف التى تنتابك فأثناء الإنتظار تصبح كاليائس فى صحراء يلهث على نقطة ماء .. فكان الحال مشابهاً تماماً ، فكل دقيقة يتخيل لأحد الواقفين أن هناك صوت ترام قادم وهناك من يراها بالفعل ويهم بالوقوف لإستقبالها .. فلا تدرى هنا .. أهذا هو الأمل ؟؟ أم أن طول مده الأنتظار تجعل الأنسان يستسلم لهواجسه ؟

بدأت فى التحرك المستمر لأبعد عن وجهى وجسدى الذباب وذهبت للوقوف بجانب رجل فى سن الأربعين وكان قد ضاق به الخُلق فميلت عليه وقلت له

شكلها كده مش جاية !

يا سيدى اللى خلاك تستنى نص ساعة يخليك تستنى خمس أو عشر دقايق كمان !

فقال رجل بجانبى وقد كسا الشعر الأبيض رأسه

مش معقول كده .. فى ناس عندها مشاغل

فتمتمت امرأة جالسة على الكرسى

منه لله .. هى كانت تقتدر تتأخر كده زمان

وقد آتى شيخاً للوقوف معانا فرد عليها قائلاً

هو كل حاجة تلبسوها للراجل .. عيب كده .. أيش دخل الترام فى السياسة !

ردت المرأة عليه بنبرة تحاول بها غيظه

لو فلح رئيس الجمهورية فلح رئيس هيئة الترام

ثم قمت انا بدورى بطرح سؤال على الواقفين

طب أنتوا ليه مستنين مع انها أتأخرت ؟

رد الشيخ يا سيدى إن الله مع الصابرين .. وكل تأخيرة وفيها خيرة

رددت عليه لا يا حاج .. عند بعض الناس .. كل تأخيرة وفيها خصم !

لحد أمتى حتستنوا مع ان مفيش أمل انها توصلكم فى معادكم ؟ لحد أمتى حتفضلوا مستخسرين ربع جنية زيادة فى حياتكم ، مجرد 
إنتظارك بيثبت انك راضى ومتقدرش تستغنى عنها !

رد رجل بجانبى ما هو لو شالوا الترام البلد حتخرب ؟

رددت وليه منقولش ان حيبقى فى بديل ؟

رد رجل أخر على بص يا أبنى .. انا فاهمك وفاهم غضبك ده كله ليه ... بس تعالى نتكلم بالعقل .. مفيش حاجة فى البلد دى بتروح وبيجى أحسن منها أو حتى زيها ! .. البلد دى اللى بيروح فيها مابيرجعش .. ومفيش حد مستعد انه يغامر تانى .. مين عارف ايه اللى حيحصل !

وربت الرجل على كتفى مشيراً الى انتهاء النقاش .. جعلنى هذا أفكر ! هل أصبحنا نقبل السئ خوفاً من الأسوء ! هل سنظل نُقنع أنفسنا بكلام حتى نتمتع بنشوة النسيان ! هل أقصى ما يمكن فعله هو الدعاء والسُباب .. هل هذا يكفى كعزاءً لنا ؟ هل من كُتر الزهد الذى نعيش فيه أصبحنا لا نقوى على الرفاهية ؟

وتركت محطة الترام .. ومضيت فى طريقى الى البيت سيراً على الأقدام .. فكنت اشعر طوال الطريق بحريق هائل فى رأسى .. هل هذا بسبب الحرارة ؟؟ ام بسبب كثرة ما يدور برأسى من أفكار وتساؤلات ؟

                                                                                           مصطفى زكريا الشابى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق