الاثنين، 10 يونيو 2013

الخاسرة الوحيدة

الخاسرة الوحيدة !

كانت تلعب فى خُصلات شعرها الذهبى ويسود على وجهها الناعم ذو الملامح الهادئة علامات التفكير .. كانت فتاة حالمة ، لا تمر عليها لحظة فراغ الا وشغلت مُخها بتخيُلاتها .. فمرة تتخيل أن السلام يسود العالم ، وفى الأخرى أن فتى أحلامها جاء ليخلصها فراغها الموحش ، ومرة انها فى بلد جديد وسط أٌناس جدد .. فهناك لا تستطيع التقيُد بعادات والتقاليد التى الزمت بها من وهى طفلة ! .. كانت مُخيلتها هى ملاذها الوحيد .. من هذا العالم الشُهوانى .. الذى يفكر بأعضاءه التناسلية لا بمخه ! ، كانت مثل اى فتاة .. حلُمت بأنها سوف تكون ملكة جمال .. وكلما تقدمت فى السن فقدت هذه الأمنية رونقها وأصبحت شكواها الأولى والأخيرة .. "ليه متخلقتش ولد؟"..كانت تتمنى بقدوم فارس أحلامها .. هذا الشاب الشجاع ، الوسيم ، المثقف ، المهذب .. ومثيلها من الصفات الحسنة التى تبددت فى مجتمعنا .. ولكن تلاشت هذه الرغبة وأستُبدلت بنفور شديد من كل شئ مُذكر !

ولكن رداً على هذا النفور الشديد من الرجال .. تلقت رد فعل معاكس من والدتها .. فأضحت تنهرها بنبرة جادة كأنها تمنع النقاش فى مثل هذا الموضوع "أمال .. عايزة تقعدى جنبى لحد اما تعنسى ؟.. البنت ملهاش غير بيتها وجوزها .. أمال احنا كنا بنربيكى ليه ... عشان نتأنس بقعدتك جنبنا والجران يقولوا البنت معيوبة !" وبعدها بلكنة أخرى تستعطفها بها " يا بنتى .. انا خايفة عليكى .. ومش حطمن عليكى الا وانت فى بيت جوزك..انا مش حعيشلك طول العمر .." وظلت الفتاة ذات الملامح الهادئة على وتيرتها الأولى .. ولم تنتبه الى ما قالته والدتها .. فعندما كانت طفلة تعودت على هذا الأسلوب منها .. عندما كانت تطلب منها القيام بشئ ترفضه رفضاً تام !  

كانت هذه الفتاة تشعر منذ طفولتها بأنها مميزة .. مختلفة عن جميع الفتيات الأخريات وهذا صحيح .. كانت الوحيدة ذات الشعر الذهبى فى منطقتها .. فـ حتى طريقة مشيها منذ طفولتها وحتى الآن .. واقع قدمها على الأرض مختلف عن البقية .. كانت تعلم بداخلها انها أميرة .. لم تخلق لهذا العالم .. وأنتظرت بفارغ الصبر الحدث الذى سيغير حياتها .. الذى سوف يعوضها عن الصبر التى تحملته .. حتى حدث ما كانت تخشاه طوال هذا الوقت !

دخلت عليها خالتها وكانت هى تسبح فى تخيُلاتها .. و"رقعت الزرغوطة" القوية وأحتضنتها بقوة وعنف نسائى وقالت لها مبروك يا حبيبتى ، فعلمت الفتاة ما تقصد خالتها ونظرت لأمها نظرة وكأنها تقول لها "أنجدينى" فما كان رد فعل الأم سوى الصمت .. فهل ستضحى الأم بالعادات والتقاليد من أجل مبادئ أبنتها ؟

وبدأت الفتاة تغوص داخل تخيُلاتها أكثر وأكثر ... متمنية النجدة الألهية ..فبرغم من ان العريس هو شاب فى مقتبل العمر ومحترم وذو مركز أجتماعى مرموق ولديه مبادئ قوية ، ولكنها أصرت على الرفض .. ببساطة لأنها لا تعلم ما يمكن أن يكون تحت وشاح المبادئ من أخلاق  .. فكانت تؤمن ان المبادئ وحدها لا تكفى .. لابد من وجود خُلق حسنة لتقويمها !

وقامت فى الأيام التالية بالخروج معه عدة مرات للتعارف .. وتعمدت ان تكون "باردة" أن تجعل ملامحها متجمدة .. ولكن مهما فعلت لم تكن تستطيع ان تتخلص منه .. فكانت غير انها جميلة .. فقد أقام أبناء المنطقة أسطورة بما انها كانت الفتاة الشقراء الوحيدة فى محيطهم .. قالوا ان من سوف يتزوجها ستختلف حياته وتنقلب رأساً على عقب .. فأراد أن يحقق الأسطورة .. –أو بمعنى أصح- ان يفوز بها !

وأقترب موعد الزفاف .. وطالت فترات التخيُل عند الفتاة .. وطال نظر الفتاة الى شعرها الذهبى .. لم تكن تعلم فى يوم ان ما يجعلها مختلفة هو ما سيقضى على حياتها كما أرادتها ! وجاء الموعد المنتظر .. موعد الزفاف ..

أنطلقت المنطقة بالكامل بالزغاريط .. وتم تعليق الأنوار وتجهيز الليلة وكأنها أخر ليلة فى العمر .. الكل سعيد .. الكل تحققت أحلامه .. ماعدا الفتاة المسكينة ..

ودخل العريس مكان الزفاف .. ووقف فى أنتظار العروس .. وطال الأنتظار .. حتى ظنت أمها انها قامت بالأنتحار كما فى القصص والروايات ... ولكن أتت من غرفتها فتاة .. أستغرب الجميع عندما رأها .. وتحول الأستغراب الى دهشة وذهول .. لقد تحول الشعر الذهبى الى أسود دارج .. وتسألت جميع النسوة فى الزفاف بطريقة غرضها التسلية كما يفعلون مع كل الناس .. "كان شعرها الاول احلى ." ، "يا ترى عملته بكام؟" وتبادلوا الضحكات المُجلجلة .. وجلست الفتاة فى الكوشة .. وهى تخفى دمعتها .. فـ بالفعل تحققت الأسطورة .. وقررت الفتاة ان تختلف حياتها .. وأن تصبح مثل البقية ! ..ولم تدرى الأم ان أبنتها قد ماتت بالفعل .. ولم يدرى المعازيم السعداء والعريس الفائز .. بأنها هى الخاسرة الوحيدة !

                                                                                       مصطفى زكريا الشابي

هناك تعليق واحد: