الأحد، 24 فبراير 2013

أعترافات نفسية .. #2


أعترافات نفسية

المريض الأول

دخل المريض الأول .. (م.ج) 29 سنة .. كاتب وممثل مشهور فى السينما ، سطع نجمه فى أقل من عامين .. ثم بدأ التمثيل فى أفلامه .. كان يأتى الي قبل أن يصبح مشهور .. يعتبرنى كما قلت فى السابق .. صديقه .. لا طبيبه النفسي .. يأتى الى متنكر .. حتي لا يلفت اليه الأنظار .. فبرغم ما وصل اليه من علم وثقافة ومركز أجتماعي مرموق فكان لا يعترف بالطبيب النفسي سوى داخل جدران هذه العيادة.

جلس على كرسي المكتب فأنه يكره الجلوس على الشازلونج ، وبدأ بتدخين سيجارة .. ومن جلسات سابقه معه كنت أعرف ما به .. ولكنى اردت ان اجعله يحكى لى .. على الأقل .. حتى يستريح .. فبدأت معه الكلام ، وكان الحوار كالآتي :

ماذا بك ؟؟ اليس هذا ما كنت دوماً تحلُم به وتتمناه ؟! اليس ما أنت فيه الأن هو ما كنت تدعو به الله فى كل الأوقات ؟ ماذا حل بك ؟

لقد أصبح الموضوع معقد للغاية .. لن تفهم !

أحكي لى واذا لم أفهم لك الحق فى عدم محادثتى بعد ذلك

إن الأشياء فقدت طعمها .. لم أعد أشعر بطعم الأكل .. لقد أصبح الطعام بالنسبة لى "زلط" فقط !! .. والكلام ... بدأت أشم رائحة المجاملات تملأ افواه الناس .. حتى النجاح .. بدأت أشعر انه .. روتيني !

يالك من أنسان غريب .. أعطاك الله النجاح والشهرة والموهبة التى أردتها كى تحيا سعيد بين الناس .. وها انت .. تشكو مما أعطاك اياه !

لقد أردت الموهبة والشهرة والنجاح كى يحبني الناس .. ولكن ها انا الأن ، لا استطيع التمييز بين من يحبنى ومن ينافقني.

 ليس كل ما تتمناه يصبح مصدر سعادة لك !

ولكن لماذا .. لماذا إن لم يكن مصدر سعادة لى أستجاب الله لدعائي .. لماذا لم يتركني أحيا كما انا ؟!

أكنت تظن اذا لم يستجب الله لدعائك لكنت فى سعادة وهناء ؟؟

بما انا عليه الأن .. أكيد !

مخطئ ... لو لم يستجب الله لدعائك ، لأصبحت الأن فى حالة رفض تام لواقعك الذى تعيش فيه .. ولسألت "لماذا لا يستجيب الله لدعائي؟".

لماذا يفعل الله بنا هذا ؟؟ لماذا لا يتركنا نعيش فى سعادة وهناء مع أحلامنا ؟

لسببين .. الأول هو انه خلقك لكى تعاني وتظمأ للسعادة والعدل ..يقول المفكر الهندى وحيد الدين خان " إذا كان الظمأ الى الماء يدل على وجود الماء فكذلك الظمأ الى العدل يدل على وجود العدل" وبما أن هذه الدنيا التى نعيش فيها لا يوجد بها سعادة ولا يتوفر فيها العدل فهذا يدل على وجودهما ولكن فى دار أخرى ، والتى يجب ان تصبر وتعمل بجد للوصول اليها... أما السبب الثاني .. لأنها مجرد أحلام.

ماذا تقصد بأنها "مجرد أحلام" ؟

الأحلام هى ما تعطي الحياة طعم .. لأن بطبيعتها لها رونق خاص بها .. لأن الأحلام التى فى خيالك بها كل ما بنفسك من شعور أيجابى .. ولكن اذا تحققت هذه الأحلام تأتي لك بكل ما تحمله من سلبيات .. من الممكن أن تقول ... أختبار.

هل أعانى من مرض ما ؟

نعم !! .. ولكن ليس لدى دواء له .. ما تعانيه هو عدم رضا .. وهذا قد يؤدى الى أكتئاب مزمن ..دوائك هو ان تحاول التعايش مع واقعك .. وأصبر .. أستعين بالله فى جميع أشيائك .. من حقق لك أحلامك قادر على جعلك تتكيف معها .... لقد تحدثنا بما فيه الكفاية اليوم .. سوف أنتظرك الجلسة القادمة كى تحكى لى أخر التفاصيل. ... خرج الأستاذ (م.ج) ودخل بعدها عبد الباري

من بالخارج؟

الكثير يا دكتور .. ولكن مدام (ه) وأبنها (ط.م) هم من عليهم الدور ..

كالعادة يا عبد الباري .. أدخلهم بعد خمس دقائق.

خرج عبد الباري وجلست انا أفكر فى شأن الأستاذ (م.ج) .. أني أشعر ناحيته بالشفقة ، فأنه اذا لم يتحسن فى القريب العاجل .. فسوف تصبح حالته يرثي لها... ان الأنسان منا ليدعو الله بأن يحقق امانيه وينسي ان يدعوه ان يتكيف معاها !

مرت الخمس دقائق ودخل كل من مدام (ه) وأبنها (ط.م) وهو يبدو عليه معالم التوتر الشديد .. وبدأت حديثي مع المريض الثاني.

*****************************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق